نصارى؟ أو كلهم عبدة أصنام، أو كلهم اتبعوا سجاح، أو كلهم وافقوا مسيلمة لأن بعضهم كان كذلك. فإذا كان لا يجوز دائماً: فلماذا يريد الأب أن يجوّز لنفسه ما لا يجيزه لغيره؟ ففي كندة كانت اليهودية (اطلب بلوغ الإرب ١: ٣٧٩) والنصرانية (راجع كتاب الخراج للإمام أبي يوسف ص ٨٦) والوثنية وكانت تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، تملكه أو تهلكه، أن حكيم فاتركه (اليعقوبي ١: ٢٩٧) إلى غير ذلك من الأديان. فلم يريد أن يخصها بالنصرانية؟ أليس لمجرد الإيهام؟
سادساً: من أوهن أدلته على نصرانية امرئ القيس استنجاد أمير الشعراء بالقيصر! فأي علاقة للدين هنا؟ فنحن لا نرى في ذلك سوى استنجاد الضعيف بالقوي أو التعاقد والتعاهد لمنفعة شخصية أو غاية دولية. وبخصوص ما يشبه استنصار الشاعر المذكور أو هو هذا الاستنصار بعينه كتب الأدبي دُشين في كتابه المرسوم بالكنائس المفترقة ص ٣٢٩ ما هذا معناه فأرادت دولة الروم أن تنتفع من هذه الحالة (حالة اضطراب أمور الحميريين) فأرسل قيصر الروم إلى ملوك اكسوم وحمير عدة رسل كان أولهم يوليان ثم ننّوس. وكانت الغاية من ذلك تحويل تجارة الحيري من تلك الجهة لأنها كانت على ما يُظن تتبع طريق هرمز فتتخذ دائماً طريق فارس. وكان في الصدر غايات عسكرية أيضاً. فألقى يُستنيان نظره على رجل اسمه قيس كان قد نكث حبل الوصال مع اسيمفيوس (ملك الحميريين النصراني) ليقيمه رئيساً على قبائل عرب كندة ومعدّ. وكان الغرض من ذلك أن قيساً يتفق مع الحميريين ليحارب الفرس بعد أن يكون قد تمكن من رئاسته. فهنا نرى القوي يلتجئ إلى الضعيف وكل ذلك لغايات سياسية.
ولو كان لما يزعم حضرة الأب صحة أي استنصار الضعيف بالقوي من لوازم الديانة أو نتائجها أو روابطها لقلنا إن جميع الدول المتعاهدة هي على دين واعتقاد واحد. وإلا لما ارتبطت. والحال أن المسائل السياسية لا تعلق لها بالمسائل الدينية، وهذا ما يفقهه أصغر الولدان. وكما تشهد عليه الأحوال وأحداث الزمان. في الحال وسابق الأوان.
ومن غريب كلام حضرة الأب لويس المحترم أن امرأ القيس استنجد بالقيصر لوحدة الدين ولولا ذلك لما خطر على بال أحد أهل البادية خاطر الاستنجاد وهو مع ذلك يُظهر في دليله التاسع أن القيصر كان أول من فكر بهذا الأمر إذ كان قد جرت مذاكرات منذ عهد الحارث