الملك يستنيان ننوس سفيراً إلى الحبشة والحميريين وقبائل البادية لكي يولي امرأ القيس رئاسة فلسطين. لكن لا نرى كيف يستدل بذلك على نصرانية الشاعر والملك الضليل. ولقد أجنبا أن مثل هذا لا يستنتج منه وحدة الدين في المولّي والمولّى بل يتحصل منه حسن التواصل بين القيصر والشاعر لا غير. وقد فعل القياصرة مثل ذلك في غير النصارى كما يشهد بذلك التاريخ والأمثلة كثيرة فلتراجع في مظانها.
وأما دليله العاشر فلا يخرج عن دائرة المعنى المتقدم ذكره والجواب عليه واحد. فليعد إليه والعود أحمد.
فيتحصل مما تقدم شرحه الحقائق الآتية وهي:
١ - أن امرأ القيس كان مزدكياً ولا ريب في ذلك. والسبب هو لأن أباه وجده كانا على هذا الدين. ومن ثم فالأبناء يعتبرون على دين آبائهم إن لم يأت ذكر صريح بكونهم اتبعوا ديناً آخر. ولما لم نقف على أثر يؤيد أن امرأ القيس خالف دين آبائه فالنتيجة واضحة كون الابن اتبع الأب في مذهبه. على أننا لا نريد بقولنا أنه كان مزدكياً كان من المتحمسين في دينه؟ كلا، بل على حد ما كان الغير متبعين أديانهم. يعني أنهم كانوا ينتحلون من الدين ظواهره وقشوره لا غير.
٢ - لا يجوز لنا أن نقول أن فلاناً من أهل الجاهلية كان على دين كذا ما لم يصرح بذلك أحد الأئمة. فإن حرمنا هذا السند فيجب حينئذ أن نتضافر عدة أدلة لامعة على سد مسد هذا السند وإلا فمن اللازم أن يعد ذلك الرحل بين جماعة المتدينين بدين دهماء العرب أي التوحيد مع عبادة الأوثان أو بدين طائفة عقلاء العرب وحكمائها يعني بالحنفية.
(حاشية: - إن الأئمة من المتكلمين في الأدب واللغة والتاريخ قد ذكروا كل من كان على دينٍ من أهل الجاهلية وصرحوا به تصريحاً بيناً. ولم نجد أحداً نسب النصرانية إلى امرئ القيس إلا أنهم نسبوا المزدكية إلى أبيه وجده ولهذا ورد فيه: إنه القائد لمن سلك مسلكه إلى النار مع أن كلام الأئمة في أهل الفترة يأبى كونه من أهل النار إذا كان على النصرانية أو اليهودية يعني إذا كان من أهل الكتاب).
٣ - الاستدلال بأسماء العرب أو بدين قبائلها وعشائرها وأقوامها على حقيقة دين الواحد منها أو ببعض عوائده الملية أو ببعض مبهم إشاراته وتلميحاته وكلامه غير كافية لإقامة