لساعته. ورأيت رجلاً من البيض اعتدى على عرض ابنة مراهقة فحكمت المحكمة عليه بالسجن المؤبد. وشهدت عبداً آخر التقى بفتاتين وطلب إليهما أن يقبلهما ومع أنه لم يمسسهما بيديه حكمت المحكمة عليه بألف ريال جزاء نقدياً لكل منهما النصف. وبالجملة فإن الاعتداء على النساء مهما كان فضعيف ويعده القوم جناية لا عفو فيها. فأين هذه الأخلاق من أخلاق المصريين الذين يتفاخرون بالتعرض للنساء المسلمات بقحة وسلاطة.
وبعد فإن أمر التعليم في المدارس الأمريكية موكول إلى النساء فهن المعلمات وهن المديرات ولا تجد المعلمين من الرجال إلا في المدارس العالية. وقد كنت ذهبت إلى الجبال حيث المناجم والمعادن فشاهدت فيها مدارس تشبه مدارس أعظم الحواضر. رأيت أولاد عملة المناجم ممتعين بتربية وتعليم أحسن من أكثر أولاد الأكابر في بلادنا. وفي هذه المناجم ملايين من العملة وأقل أجرة للعامل ثلاث ريالات أمريكية في اليوم.
ودور الكتب العامة من أسباب ترقي الولايات المتحدة بعد المدارس فترى في كل بلدة أو قصبة مكتبة عامة يدخلها الناس مجاناً. وتقسم كل مكتبة إلى أقسام بحسب حجمها وحجمها يكون على مقدار اتساع المدينة. فترى فيها قسماً للمطالعة فيه الجرائد السياسية والمجلات العلمية والأدبية وغير ذلك من المطبوعات اليومية والأسبوعية والشهرية وأصغر مكتبة تحتوي على خمسين جريدة. وفي المكاتب الكبرى أكثر من ذلك. وقسماً فيه الكتب على اختلاف ضروبها من كل فن وعلم وباب. وقسماً من المكتبة خاصاً بالأولاد وفيه كتب وجرائد ورسوم مما ترغب فيه نفوسهم ويبعثهم على المطالعة والبحث وترى في بعض تلك المكاتب امرأة عُهد إليها النظر في دائرة الأطفال من المكتبة تستقبلهم وتتلطف معهم.
وأطفال هذه البلاد لا يشبهون أطفال بلادنا فلا ترى بينهم أحداً يلبس ثياباً رثةً أو حافي القدم أو قليل الهندام أو ما يماثل ذلك من قلة العناية خصوصاً البنات فإنهن بدون استثناء يلبسن الثياب النظيفة المكوية ويصففن شعورهن وينظفنها ويمشطنها وما السبب في ذلك إلا شيوع العلم والمدنية بين أفراد الأمة على اختلاف طبقاتها. وإلى الآن لم أشاهد ولداً أقرع أو أرمد لأن هذه الأمراض تنشأ من قلة النظافة. فما الحال في البنات. والنساء على ما رأيت هن في الولايات المتحدة أرقى الجنس الإنساني علماً وتهذيباً.
عود إلى حديث المكاتب. إن فيها دوائر أخرى منها واحدة للتحرير والتأليف والترجمة