للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجود لها وإن الكون خلق من المادة. إنما توجد في الخلق الحياة بالحركة وغيرها من القوى الكامنة في المادة. ومنهم الدهريون القائلون بأن العالم أرحام تدفع وأرض تبلع.

وإن المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم

وإن أمر الإنسان في حياته موقوف على صروف الزمان. هؤلاء بأسرهم يقولون بتفضيل الموت على الحياة ويرون أن الحياة ذنب جناه الناس على النسل. وقد نشأت هذه المبادئ عند الفرس واليونان وغيرهم من الأمم التي أتى عليها الزمان. فلما أشرقت شمس الحكمة في الغرب وأينعت أزهار المدنية الحديثة قام من الغرب أناس يدعون إلى تلك المذاهب وألبسوها لباس الغلو الشديد. حتى حدث الحال ببعضهم أن أسسوا جمعيات بعد أن ائتمروا بينهم على الانتحار بالتعاقب فينتظم الفرد في سلكها على أن يقتل نفسه إذا انتهى إليه الدور وأصابته النوبة.

الجهلاء والانتحار

وترى الجاهلين وهم لم يسمعوا بالخلود ولم يعوا بأن لم نفوساً زكية لها بالخالق اتصال ولم يعلموا بمبدأ الماديين ولم يبلغهم مذهب الدهريين إذا سئموا تكاليف الحياة (وأي الرجال لم يسأم؟) عمدوا إلى نفوسهم فاختطفوها من بين جنوبهم وهم على يقين من أنهم يلقون عذاباً أليماً قائلين ولعذاب الآخرة خير لنا من تكاليف الأولى.

كتاب القصص والانتحار

يلعب كتاب القصص بالنفوس لعباً. ويندر أن تقع لك لا تنتهي بقتل نفس ليأس استحوذ على رجل أو حب أحدث في قلبه جنوناً. ولقد تنال تلك الصغائر من صغار العقول منالاً كبيراً فتمهد لهم السبيل إلى ارتكاب ما يرتكبون.

على أنه ليس في كتاب (ألف ليلة وليلة) وهو أشهر القصص في لسان العرب قصة تنتهي بقتل النفس. وقد يقاسي أحد أبطال ذلك الكتاب أهوالاً تشيب لها الولدان ولا يخطر على قلبه قتل نفسه.

وأخبار العرب في كتب الأدب وهي كثيرة غزيرة فيها أخبار الحرب والغرام والثأر والانتقام لا تجد فيها خبراً ينتهي بقتل النفس. إنما تسرب إلينا الاقتداء بإبطال القصص في قتل النفس من تلك القصص الغربية التي يتحفنا بها المعربون.