وإنك لا تشاهد رواية مؤلمة حتى تجد لقتل النفس فيها أثراً كأنه هو ما يعمد إليه الناس وقت ضيقهم وهم لا يعمدون إلى خالقهم أو يثوبون إلى رشدهم.
وأشد تلك الروايات في النفس وقعاً رواية (شهداء الغرام) وخلاصتها أن فتى يعشق فتاة. ويقف العداء في سبيل قربهما. ثم يحدث أنه يقتل قريباً لها فينفيه الملك فتحزن عليه حبيبته وتجرع كأساً ينالها بعد سبات عميق فيدفنها أهلها. ويأتي حبيبها إلى قبرها زائراً على غير علم بأنها لا تزال حية ترزق. وإذا ما رأى قبر حبيبته ورأى جمالها الفتان قد ذبلت زهرته يجرع سماً زعاقاً فيخطف روحه الموت الزؤام وتفيق حبيبته من سباتها فيأخذ بصرها حبيبها فتراه جثة خامدة قد أطفأ الموت شعلتها فتقتل نفسها.
وغير هذه من روايات شكسبير رواية القائد المغربي. فإنه تلحقه غيرته على امرأته من رجل غريب ويوقع بينه وبينها رجل من أهل الشر والفساد فيخدم أنفاسها. ثم يحصحص الحق ويدري بأنها بريئة وأن شرفه سليم لم ينله أذى فيقتل نفسه غيظاً من نفسه.
ومن روايات فيكتور هوجو رواية طبق الخافقين ذكرها واشتهر أمرها بين أهل الفضل والأدب اسمها (رويبلاس) وخلاصتها أن أميراً من أمراء الإسبان رأى أن الملك صائر إلى الزوال لأن الملك كان كثير التنقل والارتحال والملكة من ربات الجمال فأتى في بعد الملك بغلام من السوقة بهي الطلعة وقال إنه أخوه فأحلته الملكة محل الإكرام والتبجيل.
وأحب الغلام الملكة حباً مبرحاً هذب نفسه ولطف من خلقه وسما به سمواً كبيراً. ورأى رويبلاس الوزراء يوماً يتفاوضون فيما بينهم على مال المملكة فعنفهم فسمعته الملكة فأحبته وقربته إليها. ولما علم الأمير المحتال بذلك جمع بينهما تحت مدارع الظلماء على غير علم منهما بقصده ثم فاجأهما ووصم الملكة بوصمة العار وذلك لتتخلى عن الملك ويتفرد به. فعز الأمر على رويبلاس وخلع لباس الأمراء وقال إنك لقيت الملكة مع غلام من بطانتها ولم تجدها مع أمير يظن به وبها السوء. فذعر الأمير الكبير لفعله فأخذ الغلام بسيفه وقتل به الأمير ثم جرع السم فارتاعت الملكة وصرخت بملء فيها (رويبلاس) فيقول وهو يتضاءل بين يدي الموت: