قدر المقدرون أن متوسط ما ينفقه التاجر الأمريكي على الإعلانات من أصل أرباحه خمسة في المائة ومنهم من ينفق أكثر ومنهم من ينفق أقل. ويقتضي ذلك من التفنن وحسن الذوق شيئاً كثيراً ولما كانت أمريكا المثل السائر بغناها ترى الدراهم فيها تغدو وتروح من جيب إلى جيب كانها بانطلاقها دراهم ذاك الكريم المفتخر بقوله
لا يألف الدرهم المضروب صرتنا ... لكن يمر عليها وهو منطلق
فالمرء بادئ بدء لا يرى حاجة ماسة لابتياع المصنوعات وبيعها إلا طمعاً في الأرباح الكثيرة ومباهاة بما لديه من عروض ومتاع وثروة حقيقة أو غير حقيقية ثم تصبح هذه العادة بعد من ضروريات الحياة. قال باسكال في كتابة (الأفكار): أكثر من الصلاة تكن تقياً. ويقول لسان حال التجارة: اجعل الزخرف والزينة ديدنك تغدو بطبعك مفنناً والذوق يحصل لصاحبه بسرعة.
قالوا أن التاريخ يعيد نفسه وهو قول صحيح فقد رأينا طبقة الإشراف في الغرب وهي في الأصل من أبناء أولئك البرابرة القساة والأمراء الغلاظ الجفاة في أوائل القرون الوسطى قد رقت طباع أهلها بالتعليم والتربية فالمال هو الذي يولي الشرف ويحسن الأذواق في الحقيقة. وأمر بديهي لأن حواسنا تتأثر في الغالب والعجب يورث الرغبة في الجمال وامتلاك ناصية الجمال تكون مادة للعجب.
خذ مثالاً لذلك رغبة القوم في أمريكا بالملاحة والظرف وتأثيرهما في عقولهم. فإن المخازن العظيمة التي تبيع بالمفرق في المدن الكبرى كنيويورك مثلاً يكثر الطلب عليها أيام الاثنين أكثر من سائر أيام الأسبوع. ذلك لأن الجرائد تصدر يوم الأحد طبعات خاصة من صحفها وتملؤها بالإعلانات وعلى العكس في يوم الجمعة فإن الأشغال فيه تكون في فتور حتى يعده التجار من الأيام التي لا حياة فيها ولا رواج لسلعهم. بيد أنه لم يسعهم إلا أن يتداركوا أمره بإعلانات جلبت الزبائن على مخازنهم فعد ثاني الأيام في منافعه التجارية وأنك لترى كثيراًت من ربات يغسلن غسيلهن ويقضين شؤون بيوتهن يوم الثلاثاء ليتمكن يوم الاثنين من الاختلاف إلى المخازن والانتفاع بما جعلته للزبون في ذلك اليوم من الأمتيازات.
ولو شئنا تعداد ما يأتيه الأمريكان من ضروب الاحتيال في الإعلانات لضاق المجال فإن القوم يعتبرون الإعلانات من أدوات النجاح النافعة شهدت بذلك العادة والحس مثال ذلك أن