القوم في الولايات المتحدة يصرفون كميات وافرة من الكعك بحيث يحشى أن ينسوا استعمال الخبز فيما بعد. فكان من رغبة الناس في الكعك يباع بالمفرق منذ بضع سنين بأن يوضع عند البدال في صناديق وبراميل مفتحة ويجعل الواحد تلو الآخر فيجئ الزبون يجس الكعك ويذوق قطعة منه ثم يشتري أو ينصرف. فإذا أراد أن يشتري يتناول البائع الكعك بأصابعه في العادة ليضعه في الميزان ويكون قد وزن فيه من قبل سكر أو بن أو ملبس ثم يأخذ فيضعه في كيس الورق. وأنت خبير بأن تنأول الكعك على هذه الصفة فيه ما فيه من الأضرار بالصحة والقذارة التي تؤدي إلى القرف وهي منافية للذوق قليلة السرعة والغناء. خل عنك بأن الكعك إذا ظل على الدوام معرضا للهواء يفقد طراوته وقضمه. على أن الناس لم يشتكوا من هذه الطريقة.
وكان من الإعلانات أنها هي التي سدت الخلل وأصلحت الحال. غدا التاجر الأمريكي لا يكتفي بأن تكون بضاعته أحسن بضاعة بل اقتضى عليه أن يؤثر في أذهأن العامة ويحملهم على ابتياع ما لديه والاعتماد في تنأول حاجتهم عليه. فمن ثم كان التاجر أن يشفع جودة بياعاته بفوائد لم يكن للمبتاع على بال اجتناؤها وأخذ الباعة يتفننون بكعكهم حتى أدت الحال إلى أن يباع الأن في رزمة وزنها محدد. فترزم أولا في ورقة غليظة صحية تنفذ إليها الرطوبة والهواء ثم يوضع هذا المغلف في علبة من المقوى على شكل لطيف وتلف تلك العلبة بورقة أيضاً وترسم عليها علامة المعمل واسمه. وبهذه الطريقة أصبح الكعك في أمريكا آمناً من الجراثيم الضارة والغبار الملوث يحفظ بحاله طويلاً ولا ترقد فيه القطط في الليل كما كان من قبل وأخذ الباعة يبيعون منه كميات أوفر. وتبأرى الباعة في هذا التفنن حتى لا يتخلف أحد عن صاحبه ولا يقطع البائع المتفنن على البائع الخامل رزقه وما الداعي إلى كل هذا إلا الرغبة في الإعلان.
ولم يقف الأمر في أمريكا عند حد بيع الكعك على هذه الصورة بل أنه تعداه إلى السكر والبن والملح والفلفل والأرز وغيره. وربما بيع الخبز بعد الأن في ورق خاص به لا تمسه يد ولا تراه عين ولا تؤثر فيه عوامل الحرارة والبرودة. وهكذا تدخل روح الترتيب والنظام والنظافة حتى إلى أفقر بيوت الأمريكيين مما يعد خطوة عظيمة في طريق الاتجاه صوب الولوع بالجمال واختيار الأحسن من كل شيء.