للناس إيمانا بالغيب وتصديقا بالوعد وشفقا من الوعيد وإخلاصا للتوحيد. وأعطانا بالصغير الكبير. وباليسير الكثير. وبالحقير الخطير. وبطاعته في الأيام المعدودة الخلود في النعيم المقيم ورضي منا بعفو الطاعة وفسح لنا في التوبة وجعل من وراء الصغير المغفرة ومن وراء الكبير الشفاعة فلم يهلك عليه إلا من نفر نفار الظليم وشرد شراد البعير وأوسع لنا من طيب الرزق وحرم علينا الخبائث ولم يجعل في الدين من حرج ولا حظر بالاستبعاد إلا ما جعل منه الخلف إلا طيب والبذل إلا ما وفر منه رحمة منه وبرا ولطفا وعطفا. فحرم علينا بالكتاب الميتة والدم ولحم الخنزير وبالسنة سباع الوحش والطير وعوضنا من ذلك بهيمة الأنعام الثمانية الأزواج وسائر الوحش وصنوف الطير وحرم علينا بالكتاب الميسر وبالسنة القمار وعوضنا من ذلك اللهو بالرهان والنضال وحرم علينا الربا واحل البيع وحرم السفاح واحل النكاح وحرم بالسنة الديباج والحرير وعوضنا الخز والوشي والعقم والرقم وحرم بالكتاب الخمر وبالسنة المسكر وعوضنا منهما صنوف الشراب من اللبن والعسل وحلائل النبيذ.
وليس فيما عازنا من وراء من هذه الأمور التي وقع الحظر والإطلاق شيء اختلف فيه الناس اختلافهم في الاشربة وكيفية ما يحل منها وما يحرم منها وما يحرم على قديم الأيام مع قرب العهد بالرسول صلى الله عليه وسلم وتوافر الصحافة وكثرة العلماء المأخوذ عنهم المقتدى بهم حتى يحتاج ابن سيرين مع ثاقب علمه وبارع فهمه إلى أن يسأل عبيدة السلماني عن النبيذ وحتى يقول له عبيدة وقد لحق خيار الصحابة وعلماؤهم منهم علي وابن مسعود اختلف علينا في النبيذ. وفي رواية أخرى. أخذت الناس أشربة كثيرة فمالي شراب منذ عشرين سنة إلا اللبن أو ما العسل. وإن شيئا وقع فيه الاختلاف في ذلك العصر بين أولئك الأئمة لحري أن يشكل من بعدهم وتختلف فيه آراؤهم ويكثر فيه تنازعهم وقد بينت من مذاهب الناس فيه وحجة كل فريق منهم لمذهبه وموضع الاختيار من ذلك بالسبب الذي أوجبه والعلة التي دلت عليه ما حضرني من بالغ العلم ومقدار الطاقة لعل الله يهدي به مسترشدا ويكشف من غمة وينقذ من حيرة ويعصم شاربا ما على دخل الفاسد من التأويل والضعيف من الحجة ويردع طاعنا على خيار السلف بشرب الحرام وأؤمل بحسن النية في ذلك من الله حسن المعونة والتغمد للزلة ولا حول ولا قوة إلا بالله.