وأما المسكر فإن فريقا يذهبون إلى أن كل شيء أسكر كثيره كائنا ما كان ولو بلغ فرقا فقليله كائنا ما كان ولو كان مثقال حبة من خردل حرام. فلم يفرقوا بين ابن ثلاث ليال من نبيذ التمر إذا غلي وبين ابن ثلاث أحوال من عتيق السكر وعتيق الخمر ولا فرقوا في ذلك بين منفرد وخليطين ولا بين شديد وسهل ولا بين ما استخرج بالماء وما استخرج بالنار وقضوا عليه بأنه حرام وبأنه خمر وذهبوا من الأثر إلى حديث حدثنيه محمد بن خالد خداش عن أبيه عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل ما مسكر خمر وكل مسكر حرام. وحديث حدثنيه اسحق بن راهويه عن المعتمر بن سليمان عن المهدي بن ميمون عن أبي عثمأن الأنصاري عن القاسم عن عائشة رحمة الله عليها أن النبي صلى الله وسلم قال: كل مسكر حرام وما أسكر الفرق فالحسوه منه حرام. وحديث حدثنيه محمد بن عبيد عن ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل شراب أسكر فهو حرام. مع أشباه لهذا من الحديث يطول الكتاب باستقصائها وفي ما ذكرنا من هذه الأحاديث غنى عن ذكر جميعها لأنها أغلظها في التحريم وأشدها إفصاحا به ووإبعادا من حيلة المتأول.
وقالوا: والشاهد على ذلك من النظر أن الخمر إنما حرمت لإسكارها وجرائرها على شاربها لأنها رجس. قال الله تعالى وجل من قائل:{إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطأن فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون}. وقد كان كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية لعلمهم بسوء مصرعها وكثرة جناياتها. قالت عائشة رحمة الله عليها: ما شرب أبو بكر رحمة الله عليه خمرا في جاهلية أو إسلام. وقال عثمان رحمة الله عليه: ما تغنيت ولا تفتيت ولا شربت خمرا في جاهلية أو إسلام ولا مست فرجي بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ١وكان عبد الرحمن بن عوف ترك شربها وقال فيها بيتا:
رأيت الخمر شاربها معنى ... برجع القول أو فصل الخطاب
حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعد قال قال عثمان: إياكم والخمر فإنها مفتاح كل شر. أتي برجل فقيل له: إما أن تخرق هذا