الكتاب وإما أن تقتل هذا الصبي وإما أن تسجد لهذا الوثن وإما أن تشرب وإما أن تقع على هذه المرأة. فلم ير أهون عليه من شرب الكأس فشرب فوقع على المرأة وقتل الصبي وخرق الكتاب وسجد للصليب. وقيل للعباس بن مرداس في جاهليته: لم لا تشرب الخمر فإنها في جرأتك. فقال: ما أنا بأخذ جهلي بيدي فادخله في جوفي وأصبح سيد قومي وسفهيهم. وقيل له بعد ما أسن واسلم: قد كبرت سنك ودق عظمك فلو أخذت من هذا النبيذ شيئا يقويك. فقال: أصبح سيد قومي وأمسي سفهيهم وآليت أن يدخل رأسي ما يحول بيني وبين عقلي. وكان قيس بن عاصم يأتيه في جاهليته تاجر خمر فيبتاع منه ولا يزال الخمار في جواره حتى ينفذ ٢ ما عنده فشرب قيس ذات يوم فسكر سكرا قبيحا فجذب ابنته وتنأول ثوبها ورأى القمر فتكلم بشيء ثم انهب ماله ومال الخمار وانشأ يقول وهو يضربه.
من تاجر فاجر جاء الإله به ... كان لحيته أذناب أحمال
جاء الخبيث بميسانية٣تركت ... صحبي وأهلي بلا عقل ولا مال
فلما صحا خبرته ابنته بما صنع وما قال فإلى لايذوق الخمر أبدا وقال.
رأيت الخمر صالحة وفيها ... خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله اشربها صحيحا ... ولا اشقي بها أبدا سقيما
ولا أعطي بها ثمنا حياتي ... ولا أدعو لها أبدا نديما
وكان عثمان بن مظعون حرم الخمر في الجاهلية وقال: لا اشرب شرابا يذهب بعقلي ويضحك بي من هو أدنى مني وأزوج كريمتي من لا أريد. فبيتنا هو بالعالي إذ أتاه آت فقال: أشعرت أن الخمر حرمت؟ وتلا عليه الآية في المائدة فقال تبا لها لقد كان بصري فيها نافذا. قيل لأعرأبي أتشرب النبيذ؟ فقال: لا اشرب ما يذهب عقلي. ودعا يزيد بن عبد الملك نصيبا أو كثيراً إلى ندامته فقال: يا أمير المؤمنين اني لم أصر إلى هذه المنزلة بمال ولا دين وإنما وصلت إليها بلساني وعقلي فإن رأيت أن لا تحول بيني وبينهما فافعل وقال بعض الشعراء:
ومن تقرع الكأس الذميمة سنة ... فلا بد يوما أن يريب ويجهلا
فلم أر مشروبا أخس غنيمة ... وأوضع للإشراف منها واخملا
وأجدر إن تلقي حليما بغيها ... ويشربها حتى يخر مجدلا