الجلود. وبعد أن فتح المسلمون بلاد مصر انقطعت الصلات بين أهل مصر وأهل إيطاليا وغيرهم عن أمم أوربا فاضطر الناس أن يكتبوا جميع الكتب على الجلود فأصبحت نادرة. وقد مضت القرون على أوربا والكتابة والكتب نادرة عزيزة في كل أقطارها حتى أن لويز الحادي عشر لما استعار من جمعية الطب البشري بباريس مؤلفات الفخر الرازي أحد فلاسفة المسلمين اضطر أن يرهن مقداراً جسيماً من أعلاقه.
وقصارى القول فقد أصبح الأوربيون بعد أن كان علماء الشرع والتاريخ منهم ينادون بما ينادون به على نحو ما تقدم آنفاً يعلمون اليوم ابن الزارع والتاجر والعامل والعالم والموظف ما لا غنية له عنه في هذه الحياة الدنيا من الكتابة والقراءة والحساب ومبادئ الجغرافية والتاريخ والشريعة البسيطة. وفي فرنسا مثلاً يتعلم الجميع إلا أنه ينقطع ناس تفردوا بالذكاء ومن كان أهلهم في سعة من العيش يستطيعون معها الإنفاق على أولادهم يدرسون الدروس العالية كالطب والصيدلة والمحاماة والهندسة والعلم والأدب وخدمة الحكومة بيد أن علماء الفرنسيين يشكون اليوم - وأي أمة لا تشكو من حالها حباً بالازدياد من الارتقاء - من المتعلمين على هذا النمط وأنهم فائضون عن الحاجة وينادي علماؤهم بأنهم لو ألغوا درس اليونانية واللاتينية القديمتين وكفوا بنيهم مؤونة ترجمة سوفقلس وفيرجيل وأنهم لو استعاضوا عنها بأن ذهبوا مثلاً إلى المستعمرات وزرعوا قصب السكر وباروا الألمان والإنكليز في الشؤون الاقتصادية لكان أنفع لهم وأجدى على مجتمعهم.
يقولون أن شهادة العالمية (بكالوريا) التي سماها أحد ظرفاء الفرنسيين جلد حمار قد أخرتهم عن اللحاق بالأمم وقد غشي على بصائر بعض العقلاء منهم فصاروا لا يرون الفضل والعقل إلا فيمن درس هذه الدراسة إلا أن أهل النقد منهم يقولون أن من أسس معملاً توفرت فيه الأعمال وجرت على أتمها وكثرت فيه الاختراعات والتفنن وتاجراً أسس بيتاً تجارياً نجح فيه ليس في نظر المجتمع الإنساني دون ذاك العالم الذي يحمل شهادته في العلم والأدب بل هو فوقه. وما صح منذ نحو ثلاثين سنة للفرنسيين لا يصح لهم أن يتعاطوه اليوم والحياة الاجتماعية في تبدل مستمر والحضارة تصير من يوم إلى يوم حضارة صناعية علمية. وقد قال جول سيمون أحد فلاسفة الفرنسيين ينبغي أن نكون أبناء أحرياء بهذا العصر كما قال العرب خلقوا أولادكم بغير أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير