وكلم فى ذلك، وقيل له: كيف تخالط أهل البدع وقد أمرت بهجرهم؟ - وكان أمرهم فى ذلك الوقت شائعا، وكلمتهم غالبة-.
فقال: هم أهل الرياسة، وفيهم الوالى والقاضى، فهم لرياستهم لا ينزلون الى، فان لم نسر اليهم فكيف يظهر الحق ويعلم أن لأهله ناصرا بالحجة؟
وكان أكثر مناظرته مع الجبائى المعتزلى، وله في الظهور عليه مجالس كثيرة.
وله مجلس كبير مشهود فى مناظرة الأمير بالبصرة، ابن وفاء (٦٤)، فى مسألة الامامة، ظهر فيه علمه وتفننه.
فلما كثرت تواليفه، وانتفع بقوله، وظهر لأهل الحديث والفقه ذبه عن السنن والدين، تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا فى طريقه، وكثر طلبته وأتباعه لتعلم تلك الطرق فى الذب عن السنة، وبسط الحجج والأدلة فى نصر الملة، فسموا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم، فعرفوا بذلك، وانما كانوا يعرفون قبل ذلك بالمثبتة، سمة عرفتهم بها المعتزلة، اذ أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه.
فبهذه السمة أولا كان يعرف أئمة الذب عن السنة من أهل الحديث، كالمحاسبى، وابن كلاب، وعبد العزيز بن عبد الملك المكى، والكراسى الى أن جاء أبو الحسن، وأشهر نفسه، فنسب طلبته والمتفقهة عليه فى علمه بنسبه، كما نسب أصحاب الشافعى الى نسبه، وأصحاب مالك وأبى حنيفة وغيرهم من الأئمة الى أسماء أئمتهم، الذين درسوا كتبهم، وتفقهوا بطرقهم فى الشريعة، وهم لم يحدثوا فيها ما ليس منها.
فكذلك أبو الحسن، فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب بحججه يحتجون، وعلى منهاجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنوا على مذهبه وطريقه.