وأمضى ذلك ابن أبي عامر عليه وأوعد عليه بالانقباض عن الناس وإغلاق بابه. فجرى عليه مكروه عظيم ولم يزل ابن المكوى يذكر ما جرى عليه، ويتشنع ما شهد به عليه فيه، حتى غمص ابن زرب بسببه وقال: رفعه لغير الله ووضعه لغير الله. وقال حين دعي للشهادة: ما أعلم فيه جرحة أشهد بها، مع أنه كان يؤذيني في مجالس الشورى بلسانه. ولما نفذ السجل عليه كتب الى المنصور ابن أبي عامر:
بالله والحاجب المنصور أعتصم ... من حاسد وبنصر الله أنتقم
الظلم فيما رويناه ونعلمه ... يوم الحساب على أربابه ظلم
والإفك والبغي معدولان عن رجل ... له حشاشة دين أو له كرم
هل من رأى عجباً مثلي ومثلهم ... بأن تعاور الغربان والرخم
وما لنا عندهم ذنب سوى حسد ... نيرانه داخل الأحشاء تضطرم
وهي طويلة، تشكى فيها للمنصور، مدحه، وتلطفه، فدس فيه الوتد - عدوه - بيتاً في ذم القاضي ابن زرب أحفظه، وكان يقول: لو كنت شاعراً لأجبته. فأجابه الوتد على لسانه في الروي والقافية، ناقضه فيها وأفحش له.