للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إبراهيم، وابن المشاط، والقاضي منذر، بطرح الأعذار في جماعة، وكان أشدهم في ذلك إسحاق بن السليم [١]- والد أبي بكر، وخالفه ابنه في ذلك.

فأمر الحكم بالأخذ برأي أبى إبراهيم وأصحابه، وأمر بقتله دون إعذار.

فكتب إليه أبو إبراهيم كتابا يشكره فيه على حياطة الدين ويعتذر عن تخلفه عنه لبرد اليوم وتوالي مطره.

فأجابه الحكم بجواب، منه: وجزاك الله عن الدين والحياطة للإسلام خيرا، فلقد وقع رأيك منى أفضل موقع، وقد أحسنت في توقفك والأخذ بالعذر الذي عاقك، فما أحب إلا ما أحاطك [٢] الله به وأصلح من حالك، ولقد قلت لمن حضرني يوم السبت إثر خروجك، لن يزال هذا البلد بخير ما كان فيه مثل هذا الشيخ، أكثر الله فيه مثله - اعترافا لله بالنعمة فيك، وهذه بصيرتي فيك، فاعلمه.

وكان أبو إبراهيم لا يمسح على الخفين في حضر ولا سفر، يأخذ بذلك في نفسه، ويفتي بجواز ذلك لمن استفتاه.

وكان إذا كلم في ذلك، يقول: شيء ألفته لا أستطيع تركه.

وكلمه في ذلك تلميذه قاسم بن أرفع رأسه (١٢٠) في بعض المغازي، في ليلة شديدة الريح والبرد، وقد ضجر من فعله، فتبسم الشيخ وقال: يا قاسم لا أدفع ما تقول بحجة، ولكنه شيء لم أفعله دهري كله - فيما مضى، أفأفعله الليلة، ولعلي أموت فيها فأتناقض في مذهبي وما احتطت فيه لنفسي؟


[١] إسحاق بن السليم: ط م. إسحاق وابن السليم: أ.
[٢] أحاطك، ط م. حاطك: أ.