للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- لو رأيتم، لما أنكرتم على ما ترون، كنت آتي محمد بن المنكدر (٩٢)، وكان سيد القراء، لا نكاد نسأله عن حديث إلا بكى حتى نرحمه، ولقد كنت آتي جعفر بن محمد (٩٣) وكان كثير المزاح والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي اخضر واصفر.

قال مالك: ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال، إما مصليا، وإما صائما، وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله إلا على الطهارة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء العباد الزهاد الذين يخشون الله، وما أتيته قط إلا ويخرج الوسادة من تحته ويجعلها تحتى، وأخذ يعدد فضائله وما رآه من فضائل غيره من أشياخه في باب طويل.

قال بعضهم: رأيت مالكا صامتا لا يتكلم ولا يلتفت يمينا ولا شمالا إلا أن يكلمه إنسان فيسمع منه ثم يجيبه بشيء يسير، فقيل له في ذلك، فقال:

وهل يكب الناس في نار جهنم إلا هذا - وأشار إلى لسانه - ولقد بلغني أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد، فإذا قالها هو فكيف بنا إلا أن يتغمدنا الله برحمته.

وقال مالك: كنت كلما أجد في قلبى قسوة آتي محمد بن المنكدر، فأنظر إليه نظرة فأتعظ بنفسي أياما.

قال بشر بن عمر: كان مالك لا يضحك، فقيل له في ذلك، فقال: الضحك يدعو إلى السفه، وقد بلغنى أن * ضحك النبي كان تبسما.


(٩٢) محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمي، من شيوخ الإمام مالك، توفى سنة ١٣٠ هـ، انظر تذكرة الحفاظ ج ١ ص ١٢٧.
(٩٣) هو جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، توفي سنة ١٤٨ وقد كان من شيوخ الإمام مالك ، انظر وفيات الأعيان ج ١ ص ٢٩١ الترجمة ١٢٨.