للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحق أولى بك. والقاضي قد أخلص يقينه لله، وفعل ما يجب عليه ويلزمه. ولو لم يفعل ما فعله، لأجال الله بصيرتنا فيه، فأحسن الله جزاءه عنا، وعن نفسه، ولست اعترض للقاضي بعد فيما احتاط لنفسه. فذكر أن بعض أقران ابن بشير اعتبه فيما أتاه في ذك. فقال له: يا عاجز ألا تعلم أنه لا بد من الإعذار في الشهادات، فمن كان يجتريء على الدفع في شهادة الأمير لو قبلتها. ولو لم أعذر لبخست المشهود عليه حقه. وحكي أنه كانت لمحمد بن بشير، أيام نزوله بقرطبة خادم سوداء، اسمها بلاغ، تخدمه. ويستمتع بها عند حاجته. فكان إذا غشيها وقضى وطره منها، دفع صدرها بيده وقال: بلاغ أن فيك بلاغاً إلى حين. قال ابن حارث: إن حظية للأمير الحكم بات عندها في بعض الليالي فافتقدته في بعض الليل، ولم تصبه، فهاجت غيرتها وقامت تقفو أثره، فأصابته قائماً تحت شجرة في الحائط يصلي ويدعو ويجتهد فلما انصرف إلى مرقده ألّحت عليه في السبب الموجب لذلك، وظنت أن أمراً طرقه، فقال: ما ذاك إلا أن محمد بن بشير القاضي، لما به فأشفقت من نقده، وأعجزني الاعتياض منه، فقد كنت جعلته فيما بيني وبين الله في أحكام الناس، فأسندت منه إلى ثقة إذ كانت نفسي مستريحة إلى عدله، فناجيت الله تعالى ودعوته دعوة مضطر إلى إجابته، في أن يحسن عزائي عنه، ويجعل عوضي منه. وكانت وفاة ابن بشير سنة ثمان وتسعين ومائة. فاستقضى الحكم بعده ابنه سعيد بن محمد. وقيل، الفرج ابن كنانة، وسيأتي ذكرهما في طبقتهما إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>