للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووثب فجلس على كرسى بباب مجلسه يتوقد غيظًا عليه، فلم يلبث أن أدخل طالوت عليه، فجعل يتقرعه بذنوبه، ويقول: طالوت! طالوت! الحمد لله الذي أظفرني بك، ويحك، أخبرني لو أن أباك أو ابنك قعد مقعدى بهذا القصر، أكانا يزيدانك من البر والإكرام على ما فعلته أنابك، هل رددتك قط في حاجة لك أو لغيرك، ألم أشاركك في حلوك ومرك؟ ألم أعدك مرات في علاتك؟ ألم أشاركك في حزنك على زوجتك، فمشيت في جنازتها راجلا إلى مقبرة الريض وانصرفت معك كذلك إلى منزلك؟ وغير شيء من التوقير فعلته بك. ما حملك على ما قابلت به إجمالي، ولم ترض مني إلا بخلع سلطاني، والسعى لسفك دمى، واستباحة حرمى؟

فقال له طالوت: ما أجد لي في هذا الوقت مقالا أنجى من صدقك، أبغضتك لله وحده، فلم ينفعك عندى كل ما صنعته، هي حظوظ دنياك (٤٠٨)؛

فسرى عن الأمير، وسكن غيظه، وملئ عليه رقة وقال: والله لقد أحضرتك وما في الدنيا عذاب إلا وقد عرضته اختار أفظعه لك، فقد حيل بينى وبينك، فأنا أعلمك أن الذي أبغضتنى له قد صرفني عنك، فانصرف في أمان الله تعالى، وتصرف حيث شئت، وارفع إلى حاجاتك، فلن تعدم منى برا ما بقيت، فيا ليت الذي كان لم يكن.

فقال له طالوت: صدقت، فلو لم يكن كان خيرًا لك، ولا مرد لأمر الله.

فلم يزل طالوت بعد لديه مبرورًا إلى أن توفى عن قريب، فأسى له الحكم، وحضر جنازته، وأثنى عليه بصدقه؛


(٤٠٨) ورد في الأصل في نسخة (أ): (هي حظوظ دنياك) مضروبًا عليها، ومكتوبًا بدلها "هي لحوظ دنياك" - ط: (من لحوظ) - ك: (في لحوظ).