قال سليمان بن سالم: لما تمت ولاية سحنون، تلقّاه الناس، فرأيته راكباً على دابة، ما عليه كسوة ولا قلنسوة، والكآبة في وجهه، ما يتجرأ أحد يهنّيه. فسار حتى دخل على ابنته خديجة، وكانت من خيار الناس، فقال لها: اليوم ذبح أبوك بغير سكين. وعلم الناس قبوله للقضاء، ولما ولي، جاءه عون بن يوسف، فقال له: نهنئك أو نعزيك. ثم سكت. ثم قال: إنه بلغني أنه من أتاها من غير مسألة، أعين عليها. ومن أتاها عن مسألة لم يعن عليها. فقال له سحنون: من ولته الشفاعة عزلته الشفاعة.
ومن ولته الشفاعة، حكم بالشفاعة. فقال له رجل من الأندلس: إن لله وإن إليه راجعون، وددنا أنا رأيناك اليوم على أعواد نشعك، ولم نرك في هذا المجلس قاعداً. وكتب عبد الرحيم الزاهد إلى سحنون، لما ولي القضاء: أما بعد فإني عهدتك، وشأن نفسك عليك مهم، تعلم الخير وتؤدب عليه، وأصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة، تؤدبهم على دنياهم، يذلّ الشريف بين يديك والوضيع. قد اشترك فيك العدو والصديق ولكلّ حظه من العدل. فأي حالتيك أفضل: الحالة الأولى أم الثانية؟ والسلام. فكتب إليه سحنون: أما بعد فإنه جاءني كتابك فهمت ما ذكرت فيه، وأني أجيب أنه لا حول ولا قوة في شيء إلا بالله تعالى، عليه توكلت وإليه أنيب. فأما ما كتبت أنك عهدتني وشأن نفسي عليّ مهم، أعلم الخير وأؤدب عليه، وأصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة، أؤدبهم على دنياهم، ولعمري أنه من لم تصلح له دنياه، فسدت له أخراه. وفي صلاح الدنيا إذا صح المطعم والمشرب، صلاح الآخرة. فكلا الأمرين