ولما أراد محمد بن لأغلب أن يولي سحنون، جمع الفقهاء للمشاورة. فأشار سحنون سليمان بن عمران، وأشار سليمان بسحنون، وأشار غيرهم بسليمان، فادخلوا فرادى، فقالوا: كقولهم الأول وذلك أن أكثر الفقهاء كانوا إذ ذاك على رأي الكوفيين. وكان سليمان يرى رأيهم. وقال سليمان: ما ظننت أنه يشاور في سحنون. حجبت فرأيت أهل مصر يتمنون كونه بين أظهرهم. وما يستحق أحد القضاء وسحنون حيّ. وبعث ابن الأغلب إلى سحنون يقول له: إني أريد أن استكفي قضاء رعيتي، فاعلمه. فقال: أصلح الله الأمير، لا أقوى عليه. أدلك على من هو أقوى. سلميان بن عمران.
قال محمد بن سحنون: ولي سحنون القضاء بعد أن أدير عليه حولاً، وأغلظ عليه الغلظة. وحلف عليه محمد بن الأغلب بأشد الإيمان، فولي يوم الاثنين الثالث من رمضان سنة أربع وثلاثين ومائتين. فأقام أياماً ينظر في القضاء، يلتمس أعواناً. ثم قعد للناس يوم الأحد بعده، في المسجد الجامع، بعد أن ركع ودعاء بدعاء كثير. وقال سحنون: لم أكن أرى قبول هذا الأمر، حتى كان من الأمير ضمينان: أحدهما أعطاني كل ما طلبت، وأطلق يدي في كل ما رغبت، حتى أني قلت له: أبداً بأهل بيتك، وقرابتك، وأعوانك، فإن قبلهم ظلمات الناس، وأموال لهم، منذ زمان طويل. إذ لم يجترئ عليهم من كان قبلي. فقال لي: نعم لا تبدأ إلا بهم، واجر الحق على مفرق رأسي. فقلت له: الله، قال لي: الله، ثلاث مرات. وجاءني من عزمه مع هذا، ما يخاف المرء على نفسه، وفكرت فلم أجد أحد يستحق هذا الأمر، ولم أجد لنفسي سعة فر رده.