فلما قرأه أمره برفع مضربه، واحتجب ثلاثاً. ثم قال لمنصور: سلني عما شئت من حوائجك، واعرض عن خبر سحنون. وكان ابن الأغلب يقول في قضيته مع سحنون أن سحنون لم يركب لنا دابة ولا عقل كمه بصرة. فهو لا يخافنا. وذكر بعضهم، أن بعض قواد بني الأغلب، انصرف من بعض الحروب بعدد حرائر. فأرسل سحنون إلى جميع البوادي، في الصوفية، فاجتمع إليه نحو من ألف رجل. فقالوا: مرنا بما شئت. فقال: تخيروا منكم مائة رجل، فكونوا عنده إلى المغرب. ولا يعلمون غرضه. فلما صلى بهم، قال لهم: تمضوا إلى دار فلان، فتضربوها عليه، فإذا فتح أبلغوه سلامي، وإن يخرج الحرائر اللواتي أتى بهن من الجزيرة الساعة. ولا تجعلوا له إلى غلق الباب سبيلاً لئلا يخرج هو، ومن معه، فيدافعكم ويفضي الأمر إلى إراقة الدماء. وإن هو لاطفكم ومانعكم، فاشغلوه حتى يلج سبع مشائخ منكم، حتى تنتهوا الباب ألأوسط، وتنادوا.... بهن، اين الحرائر المسبيات بالجزيرة يخرجن إلى القاضي. فإذا خرج جميعهن أتيتم بهن، وتركتموه. ففعلوا ما أمرهم به، فلما ابى عليهم قبضوا عليه، حتى أخرجهن الشيوخ كما حده سحنون لهم، وحملوهن إلى سحنون. فركب القائد إلى القصر، فوجد الأبواب مغلقة. فبات هناك حتى أصبح ودخل على ابن ألأغلب، وقد شق ثيابه ونتف لحيته، وأخذ في البكاء. فسأله، فأخبره، فأنكر ذلك، ووجه فتى إلى سحنون يأمره بردهن له. فقال له سحنون: قل له والله الذي لا إله إلا هو إن أخرجتهن من داري، حتى تعزلني عن القضاء، ويعلم الله أنه لا نظر لي على رجلين من المسلمين.