للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينه ويقسمه على غرمائه، فقد جاء في رواية النسائي: " أن الرجل كان مديناً، وباع النبي - صلى الله عليه وسلم - الغلام الذي دبره، فدفعه إليه وقال له: اقض دينك " الحديث: أخرجه أيضاًً النسائي بألفاظ مختلفة.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على أن المدين إذا أفلس فإن للحاكم الشرعي أن يبيع ماله، ويقسمه على غرمائه ويعطيه منه قدر نفقته اليومية، كما يفيد هذا الحديث برواياته المختلفة. قال الحافظ: وذهب (١) الجمهور إلى أن من ظهر فلسه فعلى الحاكم الحجر عليه في ماله حتى يبيعه عليه، ويقسمه بين غرمائه على نسبة ديونهم، وخالف الحنفية، واحتجوا بقصة جابر حيث قال في دين أبيه: فلم يعطهم الحائط، قال: ولا حجة فيه، لأنه أخّر القسمة ليحضر فتحصل البركة في الثمرة بحضوره. اهـ. " فإن قلت " ليس في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم المال بنفسه بين الغرماء، وإنما المذكور في الحديث أنّه دفع إليه ماله، فالجواب كما قال العيني: أنه لما أمره - صلى الله عليه وسلم - بقضاء دينه من ثمنه، فكأنه هو الذي تولى قسمته بين غرمائه، لأن البيع لم يكن إلّا لأجلهم (٢). اهـ. ومن الأحاديث الصحيحة الصريحة في الحجر على المفلس وتقسيم ماله على غرمائه ما روي عن كعب بن مالك " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حجر على معاذ ماله، وباعه في دين كان عليه " رواه الدارقطني (٣) وصححه الحاكم وأخرجه أبو داود مرسلاً، ورجح إرساله، قال عبد الحق: المرسل أصح من المتصل، وقال ابن الصلاح: هو حديث ثابت كان ذلك سنة تسع، وجعل لغرمائه خمسة أسباع حقوقهم، فقالوا: يا رسول الله بعه لنا فقال: ليس لكم إليه سبيل. قال الصنعاني: والحديث دليل على أنه يحجر الحاكم على المدين التصرف في ماله ويبيعه عنه لقضاء غرمائه، والقول بأنه حكاية فعل


(١) " فتح الباري " ج ٥.
(٢) " شرح العيني " ج ١٢.
(٣) " سبل السلام " ج ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>