للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدم خروجها عن الطاقة البشرية، وملاءمتها للفطرة الإِنسانية، وتجردها وخلوها من التكاليف الشاقة، التي كانت في الشرائع السابقة فقد كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب ذنباً لا تقبل توبته إلا بقتله، وإذا أصابته النجاسة لا يطهر إلا بقطع ما أصابته من ثوب أو بدن، أما هذا الدين فقد تنزه عن كل ذلك كما قال تعالى: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) ومن سماحة هذا الدين ويسره أن الاستطاعة شرط في جميع تكاليفه الشرعية حيث قال - صلى الله عليه وسلم - " ما أمرتكم به فأدوا منه ما استطعتم " ومن ذلك أيضاً ما شرعه لهذه الأمة من رخص وأحكام استثنائية راعى فيها الظروف والأحوال كالقصر والإِفطار في السفر. " ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " بنصب الدين على المفعولية، قال النووي الأكثر في ضبط بلادنا النصب -أي لا يبالغ أحد في نوافل العبادات، ويتجاوز فيها حدود الشريعة والسنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتعدى حدود الطاقة البشرية، بحيث لا يدع وقتاً للراحة وأداء حقوق النفس والجسد والزوجة والولد إلا أرهق نفسه، وانقطع في النهاية لسآمته وملله، وكانت النتيجة عكسية، فإن لكل فعل كما يقوٍل العلماء رد فعل، وردُّ الفعل الذي يترتب على التنطع في الدين سيء جداً، لأنه يؤدي حتماً إلى ترك العبادة وقد ذم الله أقواماً شددوا على أنفسهم، وحبسوها في الصوامع، رهبانية ابتدعوها، وذمهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونهي أمته أن يشددوا على أنفسهم، ويصنعوا صنيعهم، فقال " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار- رهبانية ابتدعوها، ما كتبناها عليهم " رواه أبو داود.

وأمر - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث بالاقتصاد والتوسط في العبادة حيث قال: " فسدّدوا وقاربوا "، وهو أمر بالسداد، أي بالتوسط والاعتدال في الأعمال دون إفراط ولا تفريط، كما قال الشاعر:

خَيْرُ الأمُورِ الوَسَطُ الوَسِيطُ ... وَشرُّهَا الإفْرَاطُ والتَّفْرِيطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>