للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال - صلى الله عليه وسلم - " وقاربوا " أي إذا لم تستطيعوا الإِتيان بالأفضل من النوافل والطاعات والإتيان بها جميعاً، فأتوا بما يقارب الأفضل، لأن ما لا يدرك كله، لا يترك جله، فمن لم يستطع أن يصوم يوماً ويفطر يوماً - الذي هو أفضل الصيام، فليأت بما يقارب ذلك، كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ومن لم يستطع ذلك فليصم يوم عاشوراء ويوم عرفة، وستة أيام من شوال.

" وأبشروا " أي ولا تظنوا أن القليل من العبادة لا ينفع بل أبشروا بحسن القبول متى حسن العمل وخلصت النية، فإن العبرة بالكيف لا بالكم.

" واستعينوا بالغدوة " بضم الغين المعجمة، وهي السير أول النهار إلى الزوال " والروحة " بفتح الراء، وهي السير بعد الزوال إلى الليل. " والدلجة " بضم الدال وإسكان اللام كذا جاءت الرواية ويجوز فتحها وهي السير آخر الليل (١) وقد استعار هذه الأوقات الثلاثة لأوقات النشاط أي واستعينوا على أداء هذه العبادات والصلوات بفعلها في أرقات النشاط وفراغ القلب للطاعة، ولا تشغلوا بالعبادة كل أوقاتكم لئلا تسأموا فتنقطعوا عنها بالكلية، فينبغي للعبد إذا أراد المداومة على العمل، وأحَبُّ العمل إلى الله وإلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أدْوَمُهُ، وإن قل- أن يختار للعبادة بعض الأوقات المناسبة كوقت الصباح وبعد الزوال وساعة من آخر الليل.

ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: يُسر هذا الدين، وسهولة أحكامه، وملاءمته للفطرة الإِنسانية. ثانياًً: أن قدرة الإِنسان وطاقته البدنية شرط في جميع التكاليف الشرعية. ثالثاً: أن رفع الحرج عن المكلفين أصل من أصول التشريع الإِسلامي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن هذا الدين يسر " وقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا ". رابعاً: الترغيب في الأخذ بالرخص كالقصر


(١) وقال العيني: وهي بالضم سير آخر الليل، وبالفتح سير الليل اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>