" فقلت ائذن لي إلى أبوي " فاستأذنته وهي في أسوأ الأحوال بدنياً ونفسياً، وهكذا يجب أن تكون المرأة الصالحة لأن سيرة هؤلاء الأبرار إنما ندرسها لنتأسى بها في حياتنا ونطبقها عملاً في سلوكنا، لا نستعرضها كما تستعرض التحف القديمة الثمينة، حتى إذا ما تحدث أحدٌ عن تطبيقها، قالوا: ذلك عصر وهذا عصر، أين نساؤنا من نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأين نحن منه، كلمة حق أريد بها باطل. نعم أين نحن منه في عصمته ومكانته عند ربه، أما في الواجبات والفرائض فإننا يجب علينا أن نتبعه فيها، لأنها يستوي فيها المسلمون جميعاً، لا فرق بين طبقة وطبقة، وكذلك نساؤنا يجب عليهن أن يتبعن أمهات المؤمنين في الواجبات التي لا بد منها، كالحجاب واستئذان الزوج في خروجهن، وطاعة أمره، والمحافظة على ماله وعرضه، هذه كلها واجبات لا يجوز لمسلم أو مسلمة إذا أمر باتباع سيرة المصطفى أو الصحابة أو الأسرة النبوية الكريمة أن يقول: أين نحن من أولئك حتى تطالبنا باتباعهم فالواجب واجب، والحق حق، والفرض فرض في كل قرن وعصر. نعم فيما يتعلق بالفضائل والمستحبات والمندوبات الأمر فيها واسع بعض الشيء، أما الواجبات، أو المحرمات فلا نقاش فيها " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " هذا هو أساس التشريع الإِسلامي في كل عصر ومصر. سادساً: لُبابُ هذا الحديث وجوهره والعنصر الأساسي فيه هو بيان فضل السيدة عائشة وتبرئتها القاطعة من التهمة الباطلة التي نسبت إليها بوحي صريح منزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقرآن يتلى على مر العصور والأزمان يقطع ألسنة المرجفين، ويقضي على إشاعات المغرضين والملحدين، وأدلة براءتها من حديث الباب والآيات المنزلة في شأنها كثيرة، وأهمها ثلاثة الأول: التبرئة الصريحة الحاسمة في قوله تعالى: (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) قال البغوي يعنى عائشة وصفوان ذكرهما بلفظ الجمع (١). الثاني: شهادة القرآن لعائشة