بها فقال:" وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " وهو أمر ترخيص لهم بسماع الأحاديث الإِسرائيلية وروايتها، وليس هو أمر وجوب، لأن الأمر إذا جاء بعد النهي اقتضى الإِباحة، ولهذا قال:" ولا حرج " قال الحافظ: أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار.
قال (١): وقيل: لا حرج في أن لا تتحدثوا عنهم، لأن قوله أولاً حدثوا صيغة أمر تقتضي الوجوب، فأشار إلى عدم الوجوب، وأن الأمر فيه للإِباحة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: وجوب تبليغ كلِّ ما تَحَمَّله العالم من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قدر ما عنده، كثيراً كان أو قليلاً، ولو آية واحدة، أو حديثاً واحداً، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " بلغوا عني ولو آية ". ثانياً: أنه لا مانع من رواية الأخبار، وأخذها عن بني إسرائيل من اليهود والنصارى، للموعظة والاعتبار. فيما لم نتأكد من أنه كذب وباطل لمخالفته للقرآن أو الحديث، أما الإِسرائيليات التي نقطع بكذبها فإنه لا يجوز لنا روايتها إلاّ لتكذيبها وبيان بطلانها، قال الشافعي: من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجيز التحدث بالكذب، فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه وهو نظير قوله:" إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ". والحاصل أن الأخبار الإِسرائيلية ثلاثة أنواع: الأول: ما وافق القرآن والسنة موافقة صريحة، فهذا مما ينبغي روايته وتبليغه لأنه حق وصدق لا شك فيه. الثاني: ما لم يرد في ذلك في الكتاب أو السنة ولا يعارضهما، فهذا يحتمل الصدق والكذب كسائر الأخبار العادية، ويجوز روايته للموعظة والاعتبار، شريطة أن لا يؤخذ على أنه قضية مسلمة، أو يستدل به على حكم شرعي، أو يقدَّم على حقيقة من الحقائق العلمية الثابتة. الثالث: ما عارض الكتاب أو السنة، فهو كذب محض، لا تجوز روايته إلاّ لتفنيده وتكذيبه، وذلك لما فيه من تكذيب لله ورسوله. مطابقة