للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- سمعه من اليهود، أو قرأه في التوراة. " فإياكم والأماني التي تضل صاحبها " أي فاحذروا أن تستمعوا إلى هذه الأخبار الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة.

ولكن ما تحدث به عبد الله ليس مجرد خبر إسرائيلي، وإنما هو خبر صحيح يستند إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه " أخرجه الشيخان. قال الحافظ: هو كناية عن المُلْكِ شبهه بالراعي. قال أرطاة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام: إن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرته، ثم قال معاوية: " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن هذا الأمر " أي إن الخلافة " في قريش " فهم أحق الناس بها، " لا يعاديهم أحد إلاّ أكبه الله " أي لا ينازعهم فيها أحدٌ إلاّ ألقاه الله على وجهه في النار، " ما أقاموا الدين " أي مدة إقامتهم للدين، وتمسكهم بسنة سيد المرسلين.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن الخلافة حق شرعي لقريش مدة إقامتهم لدين الله، فإذا انحرفوا عن العدل والصواب، وحادوا عن منهج السنة والكتاب، زالت الخلافة من أيديهم، وانتقلت إلى غيرهم فلا وجه لإنكار معاوية لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، لأنه لا يتعارض مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: " وإن هذا الأمر في قريش " لأنه مشروط بإقامة الدين. قال الحافظ: وقد وجد ذلك، فإن الخلافة لم تزل في قريش والناس في طاعتهم إلى أن استخفوا بأمر الدين، فضعف أمرهم إلى أن لم يبق لهم من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار، وفي تاريخ بني العباس أقوى شاهد على ذلك حتى قال بعض خلفائهم:

أليْسَ مِنَ العَجَائِبِ أن مِثْلِي ... يَرى مَا قَلّ مُمْتَنِعاً عَلَيْهِ

وتُؤخَذُ بِاسْمِهِ الدُّنْيا جَمِيعاً ... وَمَا مِنْ ذاكَ شيء في يَدَيْهِ

وغزاهم التتار فقضوا على الخلافة في بغداد. وفتكوا بالبلاد والعباد. ثانياًً: أن

<<  <  ج: ص:  >  >>