ليلة واحدة قبل الهجرة بسنة (١) وإنما كان بعد رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من الطائف ليكون في ذلك تسلية له - صلى الله عليه وسلم - وتقوية لنفسه الشريفة على ما يواجهها من المصاعب.
وقد رويت قصة الإسراء والمعراج عن كثير من الصحابة عَدَّد منهم في " المواهب اللدنية " ستة وعشرين صحابياً. واختلف السلف والخلف: هل كان الإسراء بالروح فقط أو بالروح والجسد معاً، فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح، وأنه رؤيا منام، وإلى هذا ذهب معاوية وابن مسعود وعائشة والحسن البصرى في رواية كما في " الشفاء " للقاضي عياض، واحتجوا بقوله تعالى:(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) لأن الرؤيا لا تطلق إلاّ على ما يشاهد في النوم، أما ما يشاهد في اليقظة فإنه يسمى رؤية لا رؤيا، قالوا: فلما سمّى الله المعراج رؤيا علمنا أنه كان مناماً، واحتجوا بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:" ما فقد جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وقوله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الروايات:" بينا أنا نائم بالحطيم " وقول أنس رضي. الله عنه " وهو نائم في المسجد الحرام " وذكر القصة ثم قال في آخرها: فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام. اهـ. غير أن الإمام ابن القيم " نفي عن معاوية وعائشة أنهما يقولان بأن الاسراء كان مناماً، فقال في " زاد المعاد ": وعائشة ومعاوية لم يقولا كان مناماً، وإنما قالا أسري بروحه، لم يفقد جسده، وفرّق بين الأمرين، بأن ما يراه النائم قد يكون أمثالاً مضروبة للمعلوم في الصور الحسيّة، فيرى أنه قد عرج به إلى السماء، أو ذهب به إلى مكة وأقطار الأرض، وروحه لم تصعد، ولم تذهب، وإنما ملك الرؤيا ضرب له الأمثال. اهـ. وذهب معظم السلف والخلف إلى أن الإسراء والمعراج كانا بالجسد والروح معاً، وهو قول ابن عباس وجابر وأنس وابن المسيب وابن شهاب والحسن البصري والنخعي، وهو قول أكثر المتأخرين، وأجابوا بأن قوله تعالى:
(١) وبه جزم النووي، وأما شهره، فقيل كان في ربيع الأول، وقيل في ربيع الآخر وقيل في رمضان، وقيل في شوال، وقيل في رجب، حكاه ابن عبد البر، وجزم به النووي في الروضة، وأما ليلته فقيل في السابع والعشرين، وقيل في السابع عشر، والله أعلم. (ع).