للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) ليس نصاً صريحاً على نفي الرؤية بالبصر، فإن الرؤيا لا تختص بالرؤيا المنامية وحدها، فتخصيصها بما يرى في النوم غير صحيح من عدة وجوه، منها ما ذكره السهيلي من أن الرؤيا تأتي في كلام العرب بمعنى ما يشاهد في اليقظة ويرى بالعين أيضاً، ومن ذلك قول الراعي:

وَكَبَّرَ للرُّؤيَا وَهَشَّ فُؤادُهُ ... وَبَشَّرَ قَلْباً كَانَ جَماًّ (١) بَلابِلُهْ

ومنها، وهو أقواها أن ابن عباس رضي الله عنهما فسر الرؤيا في الآية بأنها رؤيا بصرية لا منامية حيث قال: " هي رؤيا عين رآها النبي - صلى الله عليه وسلم - لا رؤيا منام " وابن عباس رضي الله عنهما حجة في اللغة ولسان العرب، وأهل مكة أدرى بشعابها، ولو كانت مناماً ما افتتن به الناس حتى ارتد كثير ممن أسلم. وأما قول عائشة رضي الله عنها: " ما فقد جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢) فإنه يعارض قول أبيها الصديق رضي الله عنه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به: طلبتك يا رسول الله في مكانك فلم أجدك، فأجابه: " إنّ جبريل حملني إلى المسجد الأقصى " أخرجه البيهقي وابن مردويه، والصديق أدرى من عائشة بما وقع في تلك الليلة، لأنها كانت إذا ذاك طفلة صغيرة، لا يتجاوز عمرها على أقرب الروايات سبع سنوات، هذا إذا قلنا إنه - صلى الله عليه وسلم - أسرى به قبل الهجرة بعام، أما على القول بأن الإسراء كان قبل الهجرة بخمس سنوات فإن عمرها إذ ذاك لا يتجاوز ثلاث سنين، فهل نأخذ بقولها أو بقول أبيها: على أنها رضي الله عنها لم تتحدث بذلك عن مشاهدة، لأنها لم تكن زوجة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت، فلماذا يرجح


(١) قوله: كان جماً بلابله، أي كان كثير الأشواق والهواجس النفسية.
(٢) قال القاري في " شرح الفقه الأكبر ": وقد أغرب شارح العقائد في تأويل قول عائشة رضي الله عنها: " ما فقد جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج " حيث قال: معناه ما فقد جسده عن الروح، بل كان معه روحه، قال: وغرائبه لا تخفى، والتأويل الصحيح لقول عائشة أن المعراج كان بمكة في أوائل البعثة حين لم تولد عائشة، أو يقال: القضية كانت متعددة.

<<  <  ج: ص:  >  >>