فقام مالك بن عوف سيد هوازن، ونادى بالحرب، واجتمع إليه ثقيف وجُشم وسعد بن بكر، وأجمع السير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه القبائل، ومعهم أموالهم ونساؤهم وذراريهم، ليستميتوا في الدفاع عن أرضهم وعرضهم، وأمرهم أن يكسروا جفون سيوفهم وأن يشدوا شدة رجل واحد، وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ألفان من مكة حديثو عهد بالإِسلام، وعشرة آلاف من المدينة، فأعجب أناس بكثرتهم، وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة، ورتب النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، وقسم الألوية، فسلم علياً لواء المهاجرين، وأسد بن حضير لواء الأوس، والحباب بن المنذر لواء الخزرج، واستقل المسلمون عدد هوازن، وانتصروا عليهم أوّل الأمر، غير أنهم أكبوا على الغنائم يأخذونها، وكانت هوازن قد كمنت لهم في شعاب الجبل، فلما رأوا انشغالهم بالغنائم فاجؤهم بهجوم خاطف، فما راع المسلمين إلَّا وقد رشقوهم بالنبال، وحملوا عليهم حملة رجل واحد، وكانوا مهرة في الرماية، فانهزم المسلمون، وطار في الناس - وشاع فيهم أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قد قتل وانحسر عنه المسلمون، حتى تم ما أراده الله من تأديب المسلمين على إعجابهم بكثرتهم، عند ذلك ردّ الله لهم الكرة على الأعداء، رحمة بهم، ونصراً لدينه، وإكراماً لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وللَّذين ثبتوا معه من المؤمنين، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - صامداً في موقفه على بغلته الشهباء يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
ولما استقبلته كتائبهم أخذ قبضة من تراب، ورمى بها إلى عيونهم فملئت أعين القوم، وأنزل الله ملائكته لنصرة المسلمين، وانتهت المعركة بهزيمة هوازن، وغنم المسلمون كثيراً، فأسروا نحو ٦٠٠٠ امرأة، و٢٤٠٠ بعير وأكثر من ٤٠٠٠٠ أربعين ألف شاة و٤٠٠٠ أوقية من الفضة. وقسم - صلى الله عليه وسلم - الغنائم، فَمنَّ على السبي، وأطلق سراحهم إكراماً لوفد هوازن الذي كان فيه أبو برقان عمه - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة. وهكذا نصر الله المسلمين بعد إدبارهم وهزيمتهم، كما قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ