عيسى من ذلك شيئاً؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أن الله لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ قالوا: بلى، قال: فهل يعلم عيسى من ذلك إلَّا ما علمه الله، قالوا: لا، قال: فإن الله صوّر عيسى في الرحم كيف يشاء، فهل تعلمون ذلك، قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب، ولا يحدث الحدث، قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة، ثم غذّي كما يغذى الصبي، ثم كان يطعم في يشرب ويُحْدث، قالوا: بلى، قال: وكيف يكون هذا؟ فسكتوا، وعجزوا عن الجواب، فلما لم تنفع معهم الحجة والبرهان، وأبوا أن يقروا، أمر الله تعالى نبيه بمباهلتهم، وأنزل عليه قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) فدعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المباهلة. قال ابن كثير:" فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له، وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة فقال شرحبيل لصاحبه: لئن كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك. فقال له صاحباه: فما الرأى يا أبا مريم؟ فقال: رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً، فتلقى شرحبيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك، فقال: وما هو؟ فقال: نحكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح، فما حكمت بيننا فهو جائز " ا. هـ. فصالحهم - صلى الله عليه وسلم - على أن يدفعوا له ألف حلة في رجب وألف حلة في صفر، مع كل حلة أوقية، وعليهم إعارة ثلاثين درعاً، وثلاثين فرساً، وثلاثين بعيراً لمن يقاتلون من المسلمين في أرض اليمن، وكتب لهم أن تكون لهم الحرية في ملتهم.