للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد الهجرة (١)، وكانت حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة الموافق لشهر مارس سنة ٦٣٢ م، فما كاد - صلى الله عليه وسلم - يعلن عن حجه حتى قدم مَنْ حول المدينة، وخرج - صلى الله عليه وسلم - لخمس ليال بقين من ذي القعدة، فوافاه في الطريق بشر كثير، فكانوا بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله مد البصر حتى زاد عددهم عن مائة ألف، وخرج - صلى الله عليه وسلم - يوم السبت بعد أن صلّى الظهر بالمدينة أربعاً، وسار إلى ذي الحليفة، فأحرم منها قارناً ملبياً، ثم نزل بذي طوى، فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة، وصلى بها الصبح، ثم اغتسل، ودخل مكة نهاراً من أعلاها، ووصل المسجد ضحى، وعمد إلى البيت، وحاذى الحجر الأسود، واستلمه ولم يزاحم عليه، وجعل البيت عن يساره، ورمل في الثلاثة الأشواط الأولى واضطبع بردائه فجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن (٢) وطرفيه على كتفه الأيسر، وكان كلما حاذى الحجر أشار إليه واستلمه بمحجنه، فلما فرغ من طوافه، وقف خلف المقام، وقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وصلّى ركعتين، ثم أقبل على الحجر فاستلمه ثم خرج إلى الصفا، فسعى بين الصفا والمروة سبعاً، وأقام بمكة أربعة أيام من الأحد إلى الأربعاء، فلما كان يوم الخميس توجه إلى منى فنزل بها، وصلّى الظهر والعصر، وبات بها، وكانت ليلة الجمعة، فلما طلعت الشمس سار إلى عرفة، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل حتى زالت الشمس، فرحل على ناقته القصواء حتى أَتى بطن عرنة، فخطب الناس على راحلته، ثم أمر بلالاً فأذن، وأقام الصلاة فصلى الظهر ركعتين ثم أقام فصلى العصر ركعتين، فلما فرغ من صلاته ركب حتى أتى الموقف،


(١) أما قبل الهجرة فقد اختلف في ذلك. قال ابن الأثير: "كان يحج كل سنة، وفي سنن الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج ثلاث حجج، حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعدما هاجر ... " وفي سنده زيد بن الحباب عن الثورى، وهو صدوق يخطيء في حديث الثورى ولذلك قال الترمذي: هذا حديث غريب. (ع).
(٢) والاضطباع هو أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة، وهو مستحب في طواف القدوم. اهـ. كما في " العمدة " لابن قدامة وشرحه للمقدسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>