للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَجَعْتُ وَلَمْ أقض شَيْئاً، ثمَّ غَدَوْتُ، ثمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أقض شَيْئاً، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أنْ أرْتَحِلَ فَأدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرُ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْد خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطُفْتُ فِيهم أحْزَنَنِي أنَّنِي لا أرى إِلَّا رَجُلاً مَغمُوضاً عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أو رَجُلاً مِمَّن عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حتى بَلَغَ تَبُوكَ، فقالَ وهُوَ جَالِسٌ في الْقَوْمِ بِتَبُوكٍ:

ــ

إذا كنت لم أخرج اليوم فإنَّ في إمكان الخروج غداً " فلم يزل يتمادى بي " أي فلم يزل هذا الحال مستمراً بي " حتى اشتد بالناس الجِدُّ " حتى ضاعف الناس من جدهم واجتهادهم في التهيؤ والاستعداد لهذه المعركة، ولا زلت أنا كما كنت لم أفعل شيئاً " فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه " أي أصبحوا وقد جهزوا أنفسهم " ولم أقض من جهازي، فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين " أي فلجأت إلى التسويف، وصرت أمنّي نفسي، وأحاول إقناعها بأن الفرصة لا زالت مواتية لم تفت بعد، وإن ما لم أفعله اليوم أفعله غداً، والأيام تمر، والوقت يجري " فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز " أي فخرجت إلى السوق بعد أن خرج محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المدينة لأتجهز " ولم أقض شيئاً " أي ولم أفعل شيئاً " ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئاً، ولم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط القوم " أي ثم صرت أذهب كل يوم صباحاً إلى السوق لأجهز نفسي فأعود إلى بيتي وأنا لم أصنع شيئاً حتى انتهت غزوة تبوك، وأسرع الناس بالرجوع إلى المدينة " فهممت أن أرحل وأدركهم وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك " أي ولكن لم يرد الله تعالى في الخروج " فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطفت فيهم " أي فكنت إذا مررت بالناس بعد خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة وتجولت بينهم " لا أرى إلا رجلاً مغموضاً عليه النفاق " أي

<<  <  ج: ص:  >  >>