للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ).

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن من الزيغ والضلال الاعتماد على المتشابه في العقائد والأحكام، لأن الله تعالى قد وصف من يفعل ذلك بالزيغ، فقال عز وجل: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) وقال - صلى الله عليه وسلم - مؤكداً ذلك، إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّى الله. ثانياً: التحذير الشديد من الإِصغاء إلى الذين يتبعون المتشابه وسماع كلامهم لقوله فاحذروهم، قال الحافظ: وأول ما ظهر ذلك في الإِسلام من الخوارج. ثالثاً: أن الاعتماد في العقائد والتشريع على المحكم من آيات القرآن الكريم، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما حذر من الاعتماد على المتشابه دل ذلك على أن المحكم هو الأصل الذي يعتمد عليه، ويحتج به في الأحكام اعتقادية كانت أو عملية، كما قال تعالى: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) أي أصله (١) الذي يعتمد عليه. والقول الصحيح الذي عليه أهل السنة كما قال العلامة السعدي (١) إن المتشابه إذا وجدنا في مقابله نصاً محكماً، وجب أن نرده إليه، ونحمله عليه، ونفسره به، كقوله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) فإن قوله: (فَنَسِيَهُمْ) من المتشابه الذي يقابله من المحكم قوله عز وجل: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) فنرد المتشابه إلى المحكم، ونفسره بمقتضاه، فيكون معنى قوله: (فَنَسِيَهُمْ) أي حرمهم من فضله، ومنعهم من رحمته، لأن الله لا ينسى، كما دلت عليه الآية المحكمة، فوجب صرف النسيان إلى معنى يتفق معها، ويليق بجلال الله سبحانه وتعالى. اهـ. وإن لم نجد ما يقابله من المحكم كأوائل السور فإننا نتوقف عن تفسيره، ونقول: الله أعلم بمراده، لأنه مما استأثر الله بعلمه، فإنما وقع في الزيغ والضلال من وقع من الكفار وأهل البدع والأهواء بسبب احتجاجهم بالآيات المتشابهة دون الرجوع إلى المحكمات التي هي أم الكتاب،


(١) " تيسير الكريم الرحمن " للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>