للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتكمن هناك لمدة تختلف من بضعة أشهر إلى سنوات حتى إذا ما ضعفت مقاومة الجسم الطبيعية إثر مرض عارض كالحميات أو الأمراض التناسلية ينشط الميكروب بعد خموله، ويتكاثر مبتدئاً بالأعصاب أولاً، ثم الجلد ثم الأغشية المخاطية.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: إثبات العدوى، ومعناها كما قال القاري: مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره. أي سريان المرض وانتقاله من المريض إلى الصحيح عن طريق انتقال الميكروب من جسم لآخر في الأمراض الجرثومية من الجذام والبرص والسل. قال ابن القيم: ومقارب (١) المجذوم وصاحب السل يسقم برائحته، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لكمال شفقته على الأمة، ونصحه لهم نهاهم عن الأسباب التي تعرضهم لوصول الفساد إلى أجسامهم وقلوبهم. اهـ. والنبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يأمرنا بالفرار من المجذوم، فإنما يأمرنا بوجوب الحيطة وإبعاد السليم عن مواطن الخطر على ما جرت به العادة وقد وردت عنه - صلى الله عليه وسلم - كثير من الإرشادات الطبية التي يوجهنا فيها إلى الطب الوقائي ومن ذلك نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن دخول الأرض الموبوءة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يوردن ممرض على مصح " إلى غير ذلك. ثانياً: أن العدوى في الحقيقة من الأسباب الظاهرة التي لا تؤثر بطبعها، فإنه قد يتخلف حدوث المرض مع المخالطة، كما يشاهد ذلك كثيراً، وهذا دليل على أن الميكروب لا يؤثر في السليم بنفسه ولا يتمكن من الدخول إلى جسمه وإصابته إلاّ بإذن الله وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا عدوى، أي لا تحدث العدوى، ولا يؤثر الميكروب المرضي إلاّ بإرادة العزيز القدير، ولو كان مؤثراً بطبعه لما تخلف أحياناً، قال ابن القيم: " ولا ريب أنّه قد يكون في البدن تهيؤ واستعداد (٢) كامن لقبول الداء، وقد تكون الطبيعة سريعة الانتقال قابلة للاكتساب من أبدان من تجاوره وتخالطه، لأنها نقالة، وقد تصل


(١) " الطب النبوي " لابن القيم.
(٢) " الطب النبوي " لابن القيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>