رضي الله عنه حيث قال فيه:" أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة. وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل الشقاوة " متفق عليه. قال الحافظ: فإن عمل العبد: أمارة على ما يؤول إليه أمره غالباً. اهـ. وهذا هو معنى قوله:" كلٌّ يعمل لما خلق له أو لما يُسِّر له " أي فإن العمل يسوقه إلى ما كتب له في الأزل من سعادة أو شقاء، فإذا عمل الأعمال الصالحة فليُسَرَّ بذلك، ويرجو أن يكون من أهلها، لأن العمل الصالح علامة على أن العبد قد كتبت له السعادة كما يدل عليه الحديث.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: إثبات القضاء والقدر، وكونهما حقيقة ثابتة، لا شك فيهما، ومعناهما كما قال أهل العلم: أن الله تعالى علم بجميع الكائنات وأزمانها وأحوالها وأفعالها من خير أو شر، وكتب في اللوح المحفوظ كل ما يصدر من الخلق من طاعة ومعصية وإيمان وكفر، وأطلع الملائكة على أحوال الإِنسان قبل ظهوره إلى هذه الحياة عندما أمر الملك أن يكتب عليه أقداره وهو لا يزال في بطن أمه إذن فالقدر حقيقة ثابتة، وهو عقيدة من عقائد الإيمان كما يدل عليه حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً " من مات على غير هذا " أي على غير الإيمان بالقضاء والقدر " فليس منّي " رواه أبو داود في باب القدر، وعن ابن الديلمي رضي الله عنه قال: أتيت أُبي بن كعب فقلت: في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي، فقال:" لو أنفقت مثل أحد ذهباً ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار " قال فأتيت عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت فكلهم حدثني بمثل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه الحاكم في " مستدركه "(١) وفي رواية عن ابن وهب: " فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار ".
(١) ورواه أيضاً أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناده صحيح (ع).