فإن في هذا الأحاديث دلالة واضحة على أن إنكار القدر من أكبر الكبائر لما يترتب عليه من إحباط العمل ودخول النار وبراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن مات على ذلك. وقد انقسمت الأمة بالنسبة إلى القدر إلى طوائف أربعة: الأولى: تعتقد أن الله لا يعلم شيئاً من أعمال الإِنسان إلاّ بعد وقوعه، وتنفي إحاطة العلم الإِلهي بالكائنات قبل وجودها، وهؤلاء أسوأ الفرق لنسبتهم الجهل إلى الله تعالى، وهم غلاة المعتزلة. الثانية: أثبتت علم الله بأفعال العباد قبل وجودها ونفت خلقه لها، فقالت: يعلمها ولا يخلقها، فالانسان هو الذي يخلق الطاعة والمعصية بنفسه، ولا علاقة لله تعالى بذلك، وهم عامة المعتزلة كما صرح بذلك الزمخشري وهو من كبار علمائهم حيث قال: أما الطاعة فمن العبد، ولكن الله قد لطف به في أدائها، وكذلك المعصية منه أيضاً، والله تعالى بريء منها، وهاتان الفرقتان هما القدرية التي جاءت الأحاديث بذمهم والتحذير منهم، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم " أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم. الثالثة: ضلت ففسرت القدر " بالجبر " فقالت: إن أفعال الإِنسان كلها من طاعة أو معصية أو غيرها هي من الله خلقاً وفعلاً، وليس للإِنسان فعل أو إرادة واختيار، وإنما هو مجبر على أعماله وتصرفاته الشخصية، وإضافة الفعل إلى العبد كإضافته إلى الجمادات. فهو كريشة معلقة في الهواء، أو كحجر في الماء حتى، قال شاعرهم:
ما حِيْلَةُ العَبْدِ والأقدَارُ جَاريَة ... عَلَيْهِ في كُلِّ حالٍ أيُّها الرائي
ألقَاهُ في اليَمِّ مَكْتُوفاً وقالَ لهُ ... إيَّاكَ إيَّاكَ أن تَبْتَلَّ بالماءِ
وتسمى هذه الفرقة الجبرية أو المرجئة. الرابعة: وهم أهل السنة والجماعة، ويتلخص مذهبهم في القدر: أن الله يعلم بأفعال العباد قبل وجودها وبخلقها عند وجودها، لكن الإِنسان حرٌّ في أفعاله، فاعل لأعماله، تصدر عنه تلك الأفعال