عاماً كالكتاب لأمر - صلى الله عليه وسلم - بتدوينها وقد أجيب عن هذه الشبهات الباطلة كلها بأجوبة حاسمة: أما الأولى: فليس صحيحاً أن القرآن تكفل بتشريع الأحكام كلها، لأنه ليس فيه إلاّ بعض الأحكام الشرعية العامة، وهناك الكثير من الأحكام الجزئية التفصيلية لا وجود لها في القرآن. كأركان الصلاة. وشروطها ومبطلاتها، وواجباتها، ونصاب الزكوات، وأحكام الصوم، ومفطرات الصائم، وأحكام المعاملات، والكثير من أحكام الجنايات، وتفاصيل الأحكام الشخصية. وأما الثانية: وهي الاستدلال بقوله تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) على أن القرآن قد بين كل شيء. فالجواب أن المراد بذلك أصول العقائد والقواعد الكلية العامة، كوجوب الصلاة والزكاة والحج وتحريم الفواحش لا الأحكام الجزئية التفصيلية فإنها غير موجودة. أما الثالثة: وهي قولهم: لو كانت السنة تشريعاً لأمر بتدوينها ولم ينه عنه، فالجواب أن هذا النهي كان في صدر الإِسلام لأنه - صلى الله عليه وسلم - خشي من اختلاط السنة بالقرآن، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بكتابة حديثه لمن لم يتقنه، كما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يكتب الأحاديث، فلامه الناس على ذلك، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:" اكتب فوا الذي نفسي بيده ما خرج من بينهما -أي شفتيه الشريفتين- إلّا حق ". اهـ. والله أعلم. رابعاً: دل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " على أن الشيء المأمور بفعله واجب بشرط الاستطاعة والقدرة عليه، وبقدر ما يقدر عليه منه، فما لا يدرك كله لا يترك جله. قال الجرداني: ويستفاد منه: أن من عجز عن بعض المأمور به لا يسقط عنه المقدور عليه، بل يجب عليه الإِتيان به، وهذا هو معنى قول الفقهاء: إن الميسور لا يسقط بالمعسور، فإذا عجز عن غسل بعض الأعضاء في الوضوء، أو عن مسحها في التيمم، أتى بالممكن، وصحت عبادته، وإذا عجز عن القيام في الصلاة بأن حصل له أي مشقة شديدة تذهب الخشوع أو كماله، صلّى قاعداً، فإن عجز عن القعود بهذا المعنى اضطجع على جنبه إلى آخره. الحديث: أخرجه