للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء الأمر به في رواية أبي أسامة عن هشام حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: " ثم اغتسلي وصلّي (١) " وهكذا اختلفت الروايات عن تلامذة هشام (٢) ففي بعضها ذكر الاغتسال، وفي بعضها غسل الدم، وكلهم ثقات فتحمل الروايات بعضها على بعض، ويجمع بينها كلها فيقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالاغتسال وغسل الدم معاً.

ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: أن دم الاستحاضة ليس حيضاً شرعياً وإنما هو كالحدث الدائم لا يمنع شيئاً من ممنوعات الحيض والنفاس، فالمستحاضة تصلي وتصوم فرضاً أو نفلاً، ولا يمنعها ذلك عن شيء، ويجوز لها كل ما يجوز لغير الحائض من طواف وقراءة قرآن ومس مصحف ودخول مسجد.

والمستحاضة يجوز وطؤها عند الجمهور وهو قول أحمد في رواية، وقال في رواية أخرى يظهر أنها الراجحة عند الحنابلة: لا توطأ المستحاضة إلاّ أن يخاف على نفسه الوقوع في محظور لما روى الخلال في إسناده عن عائشة أنّها قالت: المستحاضة لا يغشاها زوجها - ولأن بها أذى، فيحرم وطؤها كالحائض (٣).

ثانياًً: أنّ المستحاضة -إذا كانت معتادة- ترد لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أو خالفها عملاً بحديث الباب لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر فاطمة بنت أبي حبيش أن تعمل بعادتها وأن تعتمد عليها عند الدخول في الحيض والخروج منه، فإذا جاء وقت عادتها الشهرية تنقطع عن الصلاة وتدخل في الحيض وتجري أحكامه عليها وإذا انتهت مدة عادتها تغتسل وتصلّي، وتدخل في الطهر وتجري أحكامه عليها، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم - " فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم " صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تعمل بعادتها ومما يؤكد ذلك، ويدل دلالة صريحة على أنّ المعتادة ترد إلى عادتها حديث أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة كانت


(١) " أوجز المسالك: شرح موطأ مالك " ج ١.
(٢) أيضاً " أوجز المسالك " ج ١.
(٣) " الفقه الإسلامي وأدلته " للدكتور وهبة الزحيلي ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>