فأهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ، وأهلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍ، وكنُتُ أنا مِمَّنْ أهلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأدرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأنا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إلى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:" دَعِي عُمْرَتَكِ وانْقُضِي رَأسَكِ، واْمْتَشِطي وَأهلِّي بِحَجِّ "، فَفَعْلتُ حتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أرْسَلَ مَعِي أَخِي عْبدَ الرَّحْمَنِ بن أبي بَكْرٍ إلى الْتَنْعِيمِ، فأهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَان عُمْرَتِي.
ــ
لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة. وأكد ذلك بقوله:" فإِني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة " أي لولا أني سقت الهدي لفسخت الحج وأهللت بالعمرة " فأهل بعضهم بعمرة وأهل بعضهم بحج " أي فأما الذين لم يسوقوا الهدي فإنهم فسخوا الحج، وأهلوا بالعمرة، وأما الذين ساقوا الهدي فإنهم استمروا على إحرامهم بالحج، لأنّه لا يجوز لمن ساق الهدي أن يتحلل حتى ينحر هديه " وكنت أنا ممن أهل بعمرة " أي وكنت أنا من الذين لم يسوقوا الهدي ففسخت الحج، وأهللت بالعمرة " فأدركني يوم عرفة وأنا حائض " أي فجاء يوم عرفة وأنا لا زلت حائضاً، وذلك لأن الحيض جاءها عند دخول مكة بعد إهلالها بالعمرة، واستمر معها إلى يوم عرفة ومنعها من أداء مناسك العمرة، لأن الحائض لا تطوف، قالت " فشكوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما حل بي، وكيف أن الحيض استمر معي إلى يوم عرفة، ومنعني من المناسك، وأفسد عليَّ عمرتي " فقال: دعي عمرتك " ومعناه كما يدل عليه ظاهر الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرها بإلغاء عمرتها ورَفْضِها، لعدم تمكنها من أداء مناسكها، فألغتها كما أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومما يؤكد ذلك أنها أتت بعمرة منفردة بعد حجها، ولو كانت عمرتها هذه باقية لم تبطل، لما احتاجت إلى عمرة أخرى بعد الحج والله أعلم، " وانقضي رأسك " أي واغتسلي للحج، وحُلِّي شعرك عند الغسل، " وأهلِّي بحج " أي وأحرمي بالحج، وارفعي صوتك ملبية به