للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيعامل معاملتها في التذكير والتأنيث، فيذكر مع المؤنث ويؤنث مع المذكر، فيقال: " بضعة رجال وبضع نسوة " أي سبعة رجال وسبع نسوة " بضع وستون شعبة " بضم الشين وسكون العين وهي في الأصل غصْن الشجرة، تقول: أمسكت بشُعْبةِ الشجرة، أي بغصنها، والمراد بها هنا الخصلة الواحدة من خصال (١) الخير. وقد اختلفت الأحاديث في عدد شعب الإيمان، ففي رواية البخاري " بضع وستون "، وفي رواية مسلم وأصحاب السنن ما عدا ابن ماجه " بضع وسبعون " وهو الراجح، كما قال القاضي عياض وغيره ولهذا قالوا ليس المقصود " تحديد العدد " وإنما المراد به التكثير. والمعنى: كما قال العيني: " إن الإِيمان ذو خصال متعددة، ويتكون من أعمال كثيرة، منها أعمال القلوب كالتوحيد، والتوكل، والرجاء، والخوف، ويدخل في ذلك عواطف الخير من رحمة ومحبة وغيرها " ومنها " أعمال اللسان من ذكر ودعاء، وتلاوة قرآن وغيرها " ومنها " أعمال الجوارح كالصلاة والصوم، وإغاثة الملهوف، ونصر المظلوم ". ومعرفة هذه الشعب على وجه التفصيل ليس بواجب، وإنما الواجب الإِيمان بها إجمالاً لأنّ الشارع لم يوقفنا عليها حداً وعداً، كما رجحه الخطابي والقاضي عياض، ويمكننا التعرف عليها من الكتاب والسنة، كما أفاده في فيض الباري ثم قال - صلى الله عليه وسلم - " والحياء شعبة من الإِيمان "، أي والحياء خصلة من خصال الإِيمان، وهو في الأصل انفعال نفسي يحدث للنفس عند نفورها من القبيح، وشعورها بقبحه، وإحساسها بالخجل منه، تظهر آثاره على الوجه حمرة أو صفرة، ولهذا عرفه بعضهم بأنه رقة تعتري وجه الإِنسان عند فعل القبيح، أو إرادة النفس له. والحياء نوعان: فطري وشرعي. والمراد في هذا الحديث " الحياء الشرعي " الذي هو في الحقيقة حياء من الله تعالى أن يراك حيث نهاك، وأن يفقدك حيث أمرك، وهو بهذا المعنى أقوى باعث


(١) فيكون المعنى اللفظي لقوله - صلى الله عليه وسلم - " الإيمان بضع وستون شعبة " على حد قول الخليل: إن الإيمان سبعة وستون خصْلة من خصال الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>