للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الخير، ورادع عن الشر، ولذلك كان من الإِيمان، بل من كمال الإيمان.

قال العيني: " الحيي يخاف فضيحة الدنيا وفضيحة الآخرة. فينزجر عن المعاصي ويمتثل الطاعات، ولهذا أفرد النبي - صلى الله عليه وسلم - الحياء بالذكر دون سائر الأخلاق الأخرى، فقال: " الحياء من الإيمان ".

ويستفاد من الحديث ما يأتي: أولاً: أن الأعمال جزء من الإيمان كما يقول جمهور أهل السنة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " الإيمان بضع وستون شعبة " ومن هذه الشعب أعمال اللسان والجوارح. ثانياً: أن الإِسلام دين أخلاقي، أهم عناصر الأخلاق فيه الحياء، ولهذا قال في فيض الباري (١): " وإنما نبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على كون الحياء شعبة من الإيمان لكونه أمراً خلقياً يذهل الذهن عن كونه من الإِيمان، فدل على أن الأخلاق الحسنة منه. ثالثاً: أن الحياء من الله، كما قال الحليمي، هو طريق إلى فعل كل طاعة وترك كل معصية، فيفوز صاحبه بكمال الإِيمان في الدنيا ودخول الجنة في الآخرة، كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " الحياء من الإيمان، والإِيمان في الجنة -أي يوصل إليها- والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار " أخرجه الترمذي. رابعاً: أن الحياء كما أفاده الماوردي (٢) على ثلاثة أوجه، أحدها الحياء من الله تعالى، بامتثال أوامره، والكف عن زواجره - وهو إنما ينشأ عن قوة الدين وصحة اليقين. والثاني: الحياء من الناس، وترك المجاهرة بالقبيح، واجتناب كل ما يدعو إلى إساءة الظن بفاعله ولو كان بريئاً. فقد روي عن حذيفة أنه أتى الجمعة، فوجد الناس قد انصرفوا، فتنكب الطريق عن الناس، وقال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس، وذلك لأن الناس لا يعلمون عذره أمّا ربه فإنه مطلع عليه. والثالث: حياء المرء من نفسه بالعفة والصيانة في الخلوة. وذلك ينشأ عن معرفة المرء قدر نفسه، أو تكريمه


(١) " فيض الباري على صحيح البخاري " الشيخ محمد أنور الكشميرى، ج ١.
(٢) " أدب الدنيا والدين " للماوردي.

<<  <  ج: ص:  >  >>