وهكذا برهن العقل البشري على وحدة قوى الطبيعة وأثبت أن القوة في كل مكان على تباين أشكالها تخضع لناموس القواعد الأساسية في الطبيعيات ولقانون حفظ القوة وبقائها ومعرفة المادة. ثم توسع أكثر من ذلك في اكتشافاته فحاول أن تعم هذه القوانين الطبيعية العضوية وأظهر في أحد الأجسام البسيطة التي لاتتجزأ بأن الكربون وهو الجسم الغريب الذي يدل على تكون المجموع الحيوي وتنوعه إلى ما لأنهاية له بأنه يمثل أساس الكيمياء في الحياة (رأي هيكل الألماني) واكتشف في الخلايا البسيطة الفردة جسماً حيوياً صغيراً تتولد منه باجتماعه المتصل جميع الأنسجة التي تتألف منها التراكيب النباتية أو الحيوانية وتوصل العقل الإنساني بنظرية النشوءِ التي كان تنبأ بها الشاعر كيتي في أواخر القرن الثامن عشر وقررها داروين سنة ١٨٥٩ بأن قدّم لعلم الحياة (بيولوجيا) مسألة التحليل والتركيب وأعلن بأن العالم إذا أخذ بمجموعه فليس إلا نشوءاًًًًًًً دائماً من المادة.
ولكن العقل لم يقف عند حد العناية بشرح العوالم المؤسسة على مبادئ تعليل الأشياء ولم يكتف بالنظريات بل تعداها إلى العمليات فأصبح يعمل ويوجد. فكان كلما أحسن معرفة النواميس الفعالة في حوادث أيضاً أخضع قوى الوجود إليه وأدخلها تحت نظام وترتيب وشغلها فيما ينفعه فكما أنه أوجد العلم فقد رتب الفنون العقلية.
وكأنت الفنون القديمة تجربية صرفة يعرف الصانع كيف يتصرف بما لديه من المصنوعات جارياً في ذلك على الطريقة التي تعلمها ممن سبقه وذلك لأن معلمه نقل إليه بالعمل الطرق التجربية وعلمه كيف ينبغي له أن يتعاطى العمل ليتمكن من صنع الشيء الفلاني.
وكان على جهله بنواميس الوجود يطبق طريقته في العمل بدون أن يعرف في الأكثر كيف تبلغ به النتيجة المطلوبة وعلى أي وجه تسير. وكثيراً ما كان يعثر بالعرض على طريقة جديدة للوصول إلى الغاية المنشودة من أسرع سبيل فينبغي في الحال مجموع قوانين الفن بقاعدة جديدة يخلفها لأعقابه وأخلافه ولكن مجموعة القوانين التي اهتدى إليها بالصدفة وانتقلت إليه من أسلافه لم تبرح على الدوام طريقة تجربية اكتشفت عرضاً لا مجموعاً حسن التنسيق بالمعارف المبنية على العقل المؤَيدة بالعلم والتجربة.
وبعد فإن مما تمتاز به الفنون الحديثة التوسع كل حين باستبدال العلم المبنيّ على العقل