وفروعه فصار الأخصاء في أفراد منهم الآن على ما يعجب منه بل أصبح العلم الواحد ينقسم إلى فروع كثيرة ويشتتغل في كل فرع منه عدة أفراد. فواحد للميكروبات وآخر للعدسيات وبعضهم للأجواء وآخرون للأضواء وغيرهم للماء وفريق للسماء وافراد للكهرباء وطائفة للكيمياء وآخرون للعيون وبعضهم للجنون وهكذا تجد لكل ما يخطر ببالك وما لا يخطر من فروع المعرفة مئات من الأخصائيين ومئات من المجامع العلمية الخاصة بها والمدارس الموقوفة عليها. وبحق ما قال أحد أساتذة كلية أكسفورد في مأدبة أقيمت لجماعة من أساتذة الإنكليز في كلية السوربون بباريز منذ شهور أن كانت القرون الوسطى هي قرون التعميم في التعليم فإن هذا العصر عصر الأخصاء فيها.
أما هذه البلاد على ما دخل إليها حتى الآن من قشور علوم الغرب فليست إلا كأوروبا في قرنها الخامس عشر أو السادس عشر تحتاج الآن إلى تعلم ما يخرجها عن حد الأمية ثم أن تتعلم البسائط من أوليات العلوم واللغات فإذا تمت لها هذه الأمنية ينشأ فيها بحكم الطبع أولئك الأخصائيون الذين تتطالُّ نفوسنا إلى الاستكثار منهم بين أظهرنا لقيام جامعتنا وأحكام ملكات العلوم فينا والانتفاع بحقائقها ودقائقها في العمليات لا الاقتصار على النظريات منها كما نحن فيها حتى اليوم اللهم إلا الطب والهندسة والحقوق.
إن من يقول بأن الأخصائيين اليوم بيننا ينبغي أن يكثروا بين أظهرنا وجمهور الأمة في التعليم كما ترى هو كمن يريد أن يعلم التعليم العالي لمن لم يتعلم مبادئ القراءة والكتابة. فحالنا الآن إذا قست ما أخذناه من بحور العلوم الزاخرة إلى ما عليه حقيقتها حال من لم يعرف القراءة البسيطة وأهله يريدون أن يعلموه الفلسفة التي هي علم العلوم أو كمن هو في سفر بعيد وتريده أن يقطع في اليوم في دقيقة وأن يعدي من سيف البحر إلى سيفه الآخر ولا سفينة لديه أو كمن تريده على أن يخطب في علم ما وراء الطبيعة في صحراء أفريقية.
قال لاروس في معجمه الكبير: اتسعت معارف البشر النظرية والعملية بعد استقرار أمرها فاحتاج الناس ن يقسموها بحسب استعدادهم وحاجاتهم إلى أقسام لا آخر لها ينقطع إليها أفراد ويبحثون في مضامينها فالأصول من المعارف هي المعلومات العامة وتفرعاتها هي الأخصائيات. لقد كان بادئ بدءٍ كل شيء مفهوماً في الفلسفة فكانت لفظة عام عند الأمم