المدن والقرى تؤوي المسافرين وتطعمهم (على نحو أديار جبال سورية لى اليوم) وإذا دفع المرء من تلقاء نفسه شيئاً من الدراهم للدير الذي أطعمه وآواه فإنما يدفع ما لا يتجاوز القدر الذي كان يلزمه لو نزل في خان أو فندق بعد أن ينزل على الرحب والسعة. ويكفي المؤونة بفضل أصحاب الدير وهذه الأديار على الصورة التي وصفناها تعد والحق يقال أعظم حسنات القرون الوسطى تأتيها تلك الأدباؤ ضاحكة مستبشرة وهي لا تريد ممن تسدي إليهم معروفها جزاءاً ولا شكوراً.
ولقد كان الحاج إلى البيت المقدس يدفع في القرون الوسطى خمساً وخمسين دوكاً (سكة ذهبية تختلف باختلاف البلاد) ليركب البحر من مدينة البندقية إلى يافا وذلك ثمن الطعام. وكان المترفون من الفرنجة يتزودون باللحوم والمآكل المغذية كما يحملون الحصر والفرش والخمور والماء وتحمل السفينة مائة راكب. وقد صرفت إحدى السفن سنة ١٤٨١ خمسين يوماً في البحر للسفر من البندقية إلى يافا وفي هذه المدينة يتلقاهم العرب وبعد أن يبقوهم خمسة أيام في مكان رديء يركبونهم الحمير إلى القدس ويحمونهم من البدو ومن الباعة. قال أحد الرهبان ممن رافقوا تلك العصابة ولم يكن العرب يعتدون إلا على المأكولات والمشروبات يطيلون أيديهم عليها ليملؤوا بطونهم.
وقد كثر التأنق في السياحات خلال القرن الخامس عشر على كثرة الاضطرابات التي حدثت فيه بحيث أصبحت أساليب النقل أكثر رفاهية من القرون التالية. وشاع على عهد الملك شارك السادس (١٣٨٠ ـ ١٤٢٢) استعمال الجياد والبغال وكان النساء يركبن رديفات للرجال ومن بعده كثر ولوع الناس بالبغال منذ سنة ١٥٤٠ وصار الناس يسيحون على ظهورها لا فرق في ذلك بين الأساقفة ورؤساء الأديار والحكام ومستشاري المملكة والزعماء. وسهل على الناس إنشاء محطات كثيرة للبريد بين البلاد أن يسيحوا بسرعة. والأثقال (العفش) يحملها الخدم على ركائب أخرى يتبعون ساداتهم وعلى ذلك العهد قل الأمن في الطرق وشاعت الخرافات في فرنسا بما حملت إليها ألمانيا من الأفكار فأصبح القوم يكثرون من الاعتقاد بالسحر والسحرة والطوالع السيئة وشاع أن أصحاب الفنادق على وفاق مع الشياطين ومع ذلك كان القتل يكثر في الفنادق وتزورها الأرواح فيفزع السياح ولا يسع أصحابها أن يأخذوا النازلين فيها إلى دورهم ويوهمونهم بأنهم ما داموا