معهم فلا تسطو عليهم الشياطين ويتلاعبون بهم ويستعملون من أساليب الدهاء والجربذة ألواناً فصار القوم يعتقدون أن الفنادق مسكونة بالجن.
وفي أواخر القرن الخامس عشر عنيت الحكومة الفرنسوية بالسائحين وأخذت توعز إلى أرباب الفنادق أن يرفقوا بمن ينزل عليهم فحددوا أسعار المآكل والنوم وكتبوها على واجهات نزلهم وكانت الأجور غالية بالنسبة لذاك العصر وكانت فنادق إسبانيا سيئة الحال إذا قيست بالفنادق الفرنسوية وذلك من حيث الوساخة وسوء الخدمة وكآبة الداخل من بنائها والخارج منه. أما فنادق ألمانيا وإيطاليا فكانت أحسن من فنادق تينك المملكتين لكثرة اختلاف السائحين إليها.
جاء القرن السادس عشر وقد اشتهرت أوروبا بنهضة الآداب والفنون ولكن الأخلاق بقيت على توحشها على المبالغة في التنطس في إبداء الأفكار. وكلما كان ينتشر الأدب والعلوم والفلسفة واللاهوت والتصوير بين الناس وتصفو النفوس وتسمو لى قمم الحقائق والعظمة والكمال كانت العادات تنحط إلى دركات التوحش فتكثر الحروب والسلب والقتل من أجل أمور تافهة وكل اختلاف في الأذواق يسوى بحد الخناجر وأقل نزاع ديني يكفي لنشوب ثورة في البلاد.
يلبس الرجال ثياب الديباج والمخمل ويزين الظرفاء آذانهم بأقراط ويعطرون شعورهم ويمسكون بأيديهم الخناجر وهم يلبسون القفافيز (الكفوف) بسرور يوازي سرور من يحمل آنية الملبس أو يروح بمروحة. أما النساء فكن يكتسين الألبسة الحريرية والأطواق الغليظة اللؤلؤ والزنانير المحلاة بالجواهر ولم تكن تلك الأبهة لتخفي أخلاق الرجولية فيهن بل كن يطلقن العيارات النارية كما يطلقها فرسان الألمان ممن جعلوا إطلاق النار صناعة لهم وعندئذ أخذت الأذواق تتحسن في فرش الدور والقصور وتسير نحو الرفاهية والملائمة بيد أنه لم ينشأ من ذلك تحسين في أسباب السياحة ولا في موارد الفنادق والخانات وظلت على حقارتها على نحو ما كانت عليه في القرون الماضية أو أكثر.
وقد كثر إقبال الفرنسيس على السياحة في القرن السادس عشر ومن أهم السياحات التي تؤثر عن ذاك القرن سياحة الرحالة الجسور آرامون فإنه خلف إيضاحات نافعة عن زيارته للأستانة سنة ١٥١٨ ومما أدهشه ما شاهده من حذق بعض أبطال العثمانيين إذ ذاك ورشاقة