للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشبيه ذلك ما حدث بمصر في القاهرة سنة ٣٨٥ فإن الطبيب أبا الفتح منصور بن مقشر القبطي كان له منزلة سامية من أصحاب القصر واتفق أنه اعتل وتأخر عن الركوب فلما تماثل كتب إليه العزيز بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم. طبيبنا سلمه الله سلام الله الطيب وأتم النعمة عليه. وصلت إلينا البشارة بما وهبه الله من عافية الطبيب وبرئه. والله العظيم لقد عدل عندنا ما رزقناه نحن من الصحة في جسمنا. أقالك الله العثرة وأعادك إلى أفضل ما عودك من صحة الجسم وطيبة النفس وخفض العيش بحوله وقوته. وقد دخل ابن مقشر في خدمة الحاكم بأمر الله وكان مكيناً في دولته وبلغ معه أعلى المنازل وأسناها وكان له من الصلات الكثيرة والعطايا العظيمة فلما مرض عاده الحاكم بنفسه ولما مات لم يقبض على تركته كما جرت العادة على كبار المسلمين والنصارى بل أبقاها كلها لورثته وأطلق لهم مالاً وافراً من خزينته.

وشبيه ذلك بل أبلغ منه ما وقع للمعتصم العباسي مع طبيبه سلمويه فإنه مرض فعاده الخليفة وبكى هذا الهمام الجبار عنده وهو الرجل الذي لا يقاس به الرجال قوة بدن وشدة بأس وشجاعة قلب وكرم أخلاق وقال له: أشر عليَّ بعدك بمن يصلحني فقال عليك بهذا الفضولي يوحنا بن ماسويه وإذا وصف لك شيئاً فخذ أقله أخلاطاً. فلما مات سلمويه قال المعتصم: سألحق به لأنه كان يمسك حياتي ويدبر جسمي. وامتنع عن الأكل في ذلك اليوم وأمر بإحضار جنازته إلى الدار وأن يصلى عليها بالشمع والبخور على رأي النصارى ففعل ذلك وهوي راه وهو خليفة لامسلمين. فهل سمعتم بمثل ذلك عند غير أهل الإسلام. نعم سمعنا في هذه الأيام بأن ملك الإنكليز وهو مسيحي بروتستانتي قد انتقل إلى الكنيسة الكاثوليكية في لوندره لحضور الصلاة عن نفس ملك البرتغال فقامت عليه القيامة من جمهور الإنكليز وسوادهم الأعظم وكادوا يجاهرون بخلع طاعته لأنه خالف الدستور.

نرجع بالحديث إلى المنصور العباسي فقد كان في خدمته نوبخت المنجم الفارسي النصراني فطلب ما نسميه الآن الإحالة على المعاش فسأله الخليفة عمن يخلفه فأشار بولده فاستقدمه فاستسماه فقال اسمي خرشاذماه طيماذاه مابازار خسروانشاه فقال المنصور كل ما ذكرت فهو اسمك؟ قال: نعم. فتبسم الخليفة وقال: اختر مني إحدى خلتين إما أن أقتصر بك من كل ما ذكرت على طيماذ وإما أن تجعل لك كنية تقوم مقام الاسم وهي أبو سهل. فقال