تلك أمور مما يتعلق بالأفراد وسنعود إلى شيء منها فيما بعد ولكن لا بأس من توجيه النظر إلى المجموع ففي أيام الرشيد خطب وزيره الفضل بن يحيى البرمكي بنت خاقان الخزر فأرسلها في تجمل عظيم ولكن منيتها وافتها في مدينة برذعة فأهم أعداء الخلافة أباها أن ذلك كان بدسيسة عليه للتنكيل به فخرج في سنة ١٨٣ من مدينة باب الأبواب في جيوش كثيفة من قومه فأوقعوا بالمسلمين وأهل الذمة وسبوا أكثر من مائة ألف نفسي وانتهكوا أمراً عظيماً لم يسمع بمثله في الخافقين.
والتاريخ يحدثنا أن بابكاً الخرميّ خرج على خلفاء الإسلام وأبلى في المسلمين ومثل بهم وكاد يهدم خلافتهم ويمحي أثرهم من الوجود. وكان أصحابه لا يدعون رجلاًُ ولا امرأة ولا صبياً ولا طفلاً مسلماً أو ذمياً غلا قطعوه وقتلوه وأحصي عدد القتلى بأيديهم فكان ٢٥٠٥٠٠ إنسان. فوجه المعتصم بالله عنايته لاستئصال شأفته وقطع جرثومته حتى ضيق في وجهه المخانق وأخذ عليه المنافذ وسد دونه المسالك. فخرج الخارجي إلى بلاد الروم هارباً في زي التجار ومعه أهله فعرفه سهل بن سنباط الأرمني البطريق فأسره فافتدى نفسه منه بمال عظيم فلم يقبل وبعثه إلى قائد جيوش المسلمين بعدما ما ركب الأرمن من أمه وأخته وامرأته الفاحشة بين يديه وكذا كان يفعل الملعون بالناس إذا أسرهم مع حرمهم فكان أهل الذمة يجدون منه بقدر وجد أهل الإسلام. إذ كانوا سواسية عنده يرتكب فيهم المحارم والآثام. ولولا إخلاص الذمي ما تخلص من هذا الفاسق الكافر لأهل الإسلام.
وكان المسلمون إذا حاربوا أعداءهم في الملك والسياسة وهم الروم لا يستهينون بمعاونة أهل الذمة فكان هؤلاء يصيبهم ما يحل بالمسلمين من ظفر أو نكاية. ولطالما أخذ الروم من أهل الذمة أسارى وعاملوهم بنفس القسوة التي يعامل بها أسارى المسلمين ولكن إذا وقع الفداء بين المتحاربين كان أول ما يشترطه المسلمين استخلاص النصارى الذميين أيضاً.
فقد روى التاريخ أنه في سنة ٢٣١ هجرية في أيام الواثق ابن المعتصم كان الفداء بين المسلمين والروم على يد خاقان خادم الرشيد. فاجتمع المسلمون على نهر اللامس على مسيرة يبوم من طرسوس وأمر الواثق بأن يكون فداء أهل الذمة مطلقاً وبلا قيد ولا شرط وأما فداء المسلمين فقد أمر خليفتهم بامتحانهم قبل فكهم من الأسر فمن قال بخلق القرآن وأن الله لا يرى في الآخرة فودي به بأسير رومي وأعطي ديناراً. ومن لم يقل ذلك ترك