للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في أيدي الروم. فاسمعوا واعجبوا. فلما كان يوم عاشوراء أتت الروم ومن معهم من الأسارى فكان المسلمون هم البادئون بهذا الخير فيطلقون الأسير فيطلق الروم أسيراً فيلتقيان في وسط الجسر فإذا وصل الأسير إلى المسلمين صاحوا: الله أكبر وإذا وصل الرومي إلى قومه صاحوا كيرياليسون حتى فرغوا فكان عدة أسارى المسلمين أربعة آلاف وأربعمائة وستين نفساً والصبيان ثمانمائة وأهل ذمة المسلمين مائة نفس.

وفي سنة ٢٣٨ هجرية هجم الروم على دمياط في ثلثمائة مركب فنهبوها وأحرقوا دورها وجامعها وسبوا من النساء المسلمات والذميات نحو ستمائة امرأة فلم تشف للذميات مقولتهن بالأقانيم الثلاثة عند أولئك الذين قالوا أنا نصارى. بل كن والمسلمات سواء في البؤس والشقاء.

وفي سنة ٢٨٣ سارت الصقالبة إلى الروم فحاصروا القسطنيطينية وقتلوا من أهلها خلقاً كثيراً وخربوا البلاد. فلما لم يجد ملك الروم منهم خلاصاً جمع من عنده من أسارى المسلمين وأعطاهم السلاح وسألهم معونته على الصقالبة ففعلوا وكشفوهم وأزاحوهم عن القسطنطينية وانظروا مكافأته لهم على هذه النجدة العربية والشهامة الإسلامية. لما رأى ملك الروم ذلك خاف المسلمين على نفسه فأخذ سلاحهم وفرقهم في البلدان حذراً من جنايتهم عليه فدعا ذلك الخليفة العباسي وهو المعتضد بن الموفق إلى السعي في الفداء فتم الأمر وبلغ جملة من فودي به من المسلمين منن الرجال والنساء والصبيان ألفين وخمسمائة وأربعة أنفس.

وهل يصح لنا أن نقابل تلك النخوة الشرقية لما فعله الإفرنج المقيمون (لا الأسارى) بالقسطنطينية؟ ففي سنة ٦٠٠ هجرية حاضرها ملك الإفرنج فروى ابن العبري أن الإفرنج المقيمون بها وكان عددهم ثلاثين ألفاً فتواضعوا مع الإفرنج المحاصرين لها ووثبوا في البلد وألقوا فيه النار فاحترق نحو ربع البلد فاشتغل الروم بذلك ففتح الإفرنح الأبواب ودخلوها ووضعوا السيف ثلاثة أيام وقتلوا حتى الأساقفة والرهبان والقسيسين الذين خرجوا إليهم من كنيسة أيا صوفيا العظمى وبأيديهم الأناجيل والصلبان يتوسلون بها ليبقوا عليهم فلم يلتفتوا إليهم وقتلوهم أجمعين ونهبوا الكنيسة. فأين فعلهم من فعل عمرو بن العاص مع رهبان النطرون.