للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحاب الأعمال في الآفاق ومما ورد فيه بنوع التخصيص قوله: وإن يرد تركة من مات من أهل الذمة ولم يخلف وارثاً على أهل ملته.

وكان النصارى وأئمتهم يعرفون حق المسلمين عليهم ويؤازرونهم في الشدة كما يستفيدون منهم في الرخاء فقد اتفق في أيام المقتدر بالله في أوائل القرن الرابع للهجرة أن القسطنطينية تولى على ملكها حدثان فعسفا أسارى المسلمين وشددا في التنكيل بهم وأجاعهم وأعرياهم وطالباهم بالتنصر ولم ير الوزير علي بن عيسى مساعدة من جانب الخليفة على إنفاق الأموال وتجهيز الجيوش. فأشار عليه بعض جلسائه لتصريف الهم عنه بأن يوسط عظيم النصارى بإنطاكية وهو البطرك وعظيمهم بالقدس وهو الجاثليق أو القاثليق لأن أمرهما ينفذ على ملوك الروم ولا يتم لهم أمر إلا بهما والطاعة لا تلزم جمهور رعيتهم إلا بقولهما وربما حرم الواحد منهم فيحرم عندهم فما هو إلا أن أرسل إليهما الوزير على يدي عامليه في إنطاكية والقدس حتى بادر عظيما النصرانية إلى إنفاذ رسول عنهما مع رسول من العامل إلى ملكي الروم وكتبا لهما ما نصه: إنكما قد فعلتما بأسارى المسلمين عندكما ما هو محرم عليكما ومخالف لوصية المسيح عليه السلام في أمثالهم وأمره فيمن جرى مجراهم. فإما زلتما عن هذه الطريقة وعدلتما عنها إلى ما تقتضيه السنة المأثورة وأحسنتما إلى من في أيديكما وتركتماهم على أديانهم ولم تكرهاهم على خلاف آرائهم وإلا لعناكما وتبرأنا منكما وحرمنا كما فلما وصل الرسولان إلى القسطنطينية أوصل رسول البطرك والقاثليق إلى الملكين وحجب صاحبه. وبعد أيام أذن له الملكان في المثول بين يديهما وقالا له: الذي أدى إلى ملك العرب من فعلنا بأسارى المسلمين كذب وشناعة وقد أذنا في دخولك دار البلاط لتشاهدهم وتسمع شكرهم وتعلم استحالة ما ذكر لكم في أمرهم. فذهب فرآهم كأنما هم خارجون من القبور وقائمون إلى النشور ووجوههم دالة على ما كانوا فيه من الضر والعذاب إلا أنهم في حالة صيانة مستأنفة ورفاهة مستجدة. قال الرسول: فتأملت ثيابهم فكانت جدداً كلها فتبينت أنني أخرت ذلك التأخير حتى غُير أمرهم وجدد زيهم. وقالوا لي: نحن شاكرون للملكين. فعل الله بهما وصنع مع إيمانهم إلي بأن حالهم على ما تأدى إلينا وإنما خفف عنهم وأحسن إليهم بعد حصولي هناك. وقالوا لي في عرض قولهم: كيف عرفت صورتنا ومن تنبه على مراعاتنا حتى أنفذك من أجلنا. فقلك: ولي الوزارة