للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوزير أبو الحسن علي بن عيسى. فبلغه خبركم فأنفذ وفعل كذا وكذا فضجوا بالدعاء له. وسمعت امرأة منهم تقول: مر يا علي بن عيسى لا نسي الله لك ذلك الفعل. فعند ذلك بكى الوزسير بكاءً شديداً ثم سجد لله تعالى شاكراً حامداً.

والبلاط المذكور هنا هو دار كانت بالقسطنطينية مخصوصة لأسارى المسلمين ذكره المتنبي وأبو فراس في أشعارهم وقد ذكره أبو العباس الصفوي شاعر سيف الدولة وكان محبوساً وضربه مثلاً:

أراني في حبسي مقيماً كأنني ... ولم أغزُ في دار البلاط مقيم

ومجمل القول أن أفاضل الروم والسريان والكلدان واليعاقبة والفرس وسائر النصارى على اختلاف مللهم واليهود والمجوس والصابئة كانوا في أيام خلفاء بني العباس موضع التجلة والإعزاز والاحترام ووصلوا بعناية الخلفاء وأكابر الدولة من المسلمين إلى مقام محمود ودرجة لم يكن لها نظير في دولة أخرى شرقية أو غربية ولا حتى في هذه الأيام التي انتشرت فيها أعلام الحرية وانطلقت الأفكار من قيودها القديمة التقليدية.

فكان الخلفاء وملوك المسلمين وأمراؤهم يجعلون ثقتهم فيهم ويسلمون إليهم طبهم وطب نسائهم ويأتمنونهم على حريمهم وأموالهم ويفضون غليهم بأسرار الدولة الإسلامية ويودعون عندهم أموالهم وذخائرهم ولا يجعلون بينهم وبينهم حجاباً بل يستقبلونهم في كل وقت وبغير إذن مثل المسيحي نزيل بغداد وإسحق بن حنين بن إسحق ويختيشوع بن جورجيس وأبي الكرم صاعد بن توما المعروف بأمين الدولة وأشباههم ممن لا نرى حاجة لسرد أسمائهم.

وكان أكابر علماء المسلمين يتلقون العلم عن أفاضل النصارى وغيرهم عملاً بالحديث الشريف كما كان النصارى واليهود وغيرهم يتلقون العلوم الفلسفية وغيرها من علماء الإسلام فإن محمد بن موسى بن شاكر الذي كان أوفر الناس حظاً في الهندسة والنجوم في أيام المأمون كانت له دار في بغداد ككعبة لطلاب الفضل وعشاق العلم وقد تعلم فيها كثيرون ممن جعلوا لتلك الدولة بهاءً ورواءً وعطروا اسم الشرفق والإسلام. نكتفي الآن بذكر ثابت بن قرة بن مروان الصابئ الحراني نزيل بغداد فإن ابن شاكر المسلم لم يكتف بتخريجه في العلم بنفسه والإنفاق عليه من ماله حتى أكمل دروسه في داره عن الأساتذة